نبيّ رسولاً، لأنَّ كلَّ رسولِ كُلِّفَ تكليفاً خاصاً به وهو تبليغُ ما أُوحي إِليه. فظهَرَ الفرقُ بين النُّبوَّة وبين الرسالة والفتيا والحكم.

وأما تصرُّفه - صلى الله عليه وسلم - بالإِمامةِ فهو وصفٌ زائد على النبوَّةِ والرسالة والفُتيا والقضاءِ، لأنَ الإِمام هو الذي فُوّضَتْ إِليه السياسةُ العامةُ في الخلائق، وضَبْطُ مَعاقِدِ المصالح، ودَرْءُ المفاسد، وقَمْعُ الجُنَاة، وقَتْلُ الطُّغَاة، وتوطينُ العِبَاد في البلاد، إِلى غير ذلك مما هو من هذا الجنس.

وهذا ليس داخلاً في مفهوم الفُتيا ولا الحُكمِ ولا الرسالةِ ولا النبوَّة، لتحققِ الفُتيا بمجرد الِإخبار عن حُكمِ الله تعالى بمقتضى الأدلة، وتحقُّقِ الحُكم بالتصدّي لفَصْل الخصومات دون السياسة العامَّة، لا سيما الحاكمُ الذي لا قُدْرة له على التنفيذ كالحاكمِ الضعيفِ القُدرة على الملوك الجبابرة، بل يُنشيءُ في نفسه الإِلزام على ذلك المَلِك العظيم، ولا يَخْطُرُ له السعيُ في تنفيذه، لتعذُّر ذلك عليه.

بل الحاكُمِ من حيث هو حاكمٌ: ليس له إلَّا الإنشاء، وأما قُوَّةُ التنفيذ فأمرٌ زائد على كونه حاكماً، فقد يُفوضُ إِليه التنفيذ، وقد لا يَندرجُ في وِلايته (?)، فصارَتْ السَّلْطَنَةُ العامَّة التي هي حقيقةُ الإمامةِ مباينةً للحُكم من حيث هو حُكم.

أمَّا إِمامٌ لم تُفوَّض إليه السياسةُ العامة فغيرُ معقولٍ إِلَّا على سبيل إِطلاقِ الِإمامةِ عليه مجازاً، والكلامُ إِنما هو في الحقائق.

وأمَّا الرسالَةُ فليس يَدْخُل فيها إِلَّا مجردُ التبليغِ عن الله تعالى، وهذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015