وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيِّ (?) وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجِبُ اتِّبَاعُ عُرْفِ الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَمُصْطَلَحِ أَهْلِهِ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ الْغَزَالِيِّ.
وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُنْقَطِعًا إِذَا دَلَّ عَلَى مَوْقِعِ الْمَنْعِ، لِمَا قَرَّرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ (?) .، وَقَدْ بَيَّنَّا شَرْطَ الدَّلَالَةِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ فِي أَرْكَانِ الْقِيَاسِ.
وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: (?) لَا يَفْتَقِرُ إِلَى الدَّلَالَةِ عَلَى مَحَلِّ الْمَنْعِ بَلْ لَهُ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا قِسْتُ عَلَى أَصْلِيٍّ، وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ إِنْ قَصَدَ إِثْبَاتَ الْحُكْمِ عَلَى أَصْلِ نَفْسِهِ فَالْخَصْمُ غَيْرُ مُنَازِعٍ لَهُ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ عَلَى أَصْلِهِ وَلَا وَجْهَ لِلْمُنَاظَرَةِ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ.
وَإِنْ قَصَدَ إِثْبَاتَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخَصْمِ بِحَيْثُ يُوجِبُ الِانْقِيَادَ إِلَيْهِ ; فَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ مَعَ مَنْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَعَدَمِ ثُبُوتِهِ بِالدَّلَالَةِ.
وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنِ الدَّلَالَةِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ إِذَا كَانَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ عَامًّا، وَهُوَ مُنْقَسِمٌ إِلَى مَمْنُوعٍ وَغَيْرِ مَمْنُوعٍ كَالدُّهْنِ ; فَإِنَّهُ وَإِنْ مُنِعَ الْحُكْمُ فِي الطَّاهِرِ مِنْهُ، فَهُوَ غَيْرُ مَمْنُوعٍ فِي الدُّهْنِ النَّجِسِ.
وَعِنْدَ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا قِسْتُ عَلَى الدُّهْنِ النَّجِسِ دُونَ الطَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَ قِيَاسِي عَلَيْهِمَا فَغَايَتُهُ الْقِيَاسُ عَلَى أَصْلَيْنِ وَقَدْ بَطَلَ التَّمَسُّكُ بِأَحَدِهِمَا، فَيَبْقَى التَّمَسُّكُ بِالْآخَرِ.
وَإِذَا ذَكَرَ الدَّلِيلَ عَلَى مَوْقِعِ الْمَنْعِ.
فَمِنْهُمْ مَنْ حَكَمَ بِانْقِطَاعِ الْمُعْتَرِضِ لِتَبَيُّنِ فَسَادِ الْمَنْعِ وَتَعَذُّرِ الِاعْتِرَاضِ مِنْهُ عَلَى دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ لِإِفْضَائِهِ إِلَى التَّطْوِيلِ فِيمَا هُوَ خَارِجٌ عَنِ الْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ فِي أَوَّلِ النَّظَرِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يُعَدُّ مُنْقَطِعًا، وَلَا يَمْنَعُ مِنَ الِاعْتِرَاضِ عَلَى دَلِيلِ الْمَنْعِ، وَلَا يَكْتَفِي مِنَ الْمُسْتَدِلِّ بِمَا يَدَّعِيهِ دَلِيلًا، وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِقَبُولِ الْمَنْعِ مَعْنًى، بَلِ الِانْقِطَاعُ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ بِعَجْزِهِ عَمَّا يُحَاوِلُهُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ.