وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَقَائِعَ الَّتِي خَلَتْ عَنِ النُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ، إِنَّمَا يَلْزَمُ خُلُوُّهَا عَنِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ نَفْيُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بَعْدَ وُرُودِ الشَّرْعِ حُكْمًا شَرْعِيًّا.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَكَانَ مُدْرِكُهُ شَرْعِيًّا وَهُوَ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ وَانْتِفَاءُ الْمَدَارِكِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْأَحْكَامِ الْإِثْبَاتِيَّةِ فَلَا (?) .
وَإِنَّ سَلَّمْنَا أَنَّ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ لَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا (?) ، وَلَكِنْ إِنَّمَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كُنَّا مُكَلَّفِينَ بِإِثْبَاتِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِي كُلِّ قَضِيَّةٍ، وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّارِعَ كَمَا يُورِدُ إِثْبَاتَ الْأَحْكَامِ فِي بَعْضِ الْوَقَائِعِ قَدْ يُورِدُ نَفْيَهَا (?) فِي بَعْضٍ آخَرَ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَصَالِحِ.
ثُمَّ يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ أَنْ تَكُونَ الْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ الْخَلِيَّةُ عَنِ الِاعْتِبَارِ حُجَجًا فِي الشَّرِيعَةِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ وَاقِعَةٍ يُمْكِنُ وُجُودُ النَّصِّ أَوِ الْإِجْمَاعِ أَوِ الْقِيَاسِ فِيهَا، فَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ حُجَّةً أَفْضَى ذَلِكَ أَيْضًا إِلَى خُلُوِّ الْوَقَائِعِ عَنِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِعَدَمِ وُجُودِ النَّصِّ أَوِ الْإِجْمَاعِ أَوِ الْقِيَاسِ فِيهَا، وَالْعُذْرُ إِذْ ذَاكَ يَكُونُ مُشْتَرِكًا (?) .