الْفَصْلُ الْخَامِسُ (?) اخْتَلَفُوا فِي الْحُكْمِ إِذَا ثَبَتَ لِوَصْفٍ مَصْلَحِيٍّ عَلَى وَجْهٍ يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُودُ مَفْسَدَةٍ مُسَاوِيَةٍ لَهُ أَوْ رَاجِحَةٍ عَلَيْهِ، هَلْ تَنْخَرِمُ مُنَاسَبَتُهُ أَوْ لَا؟ فَأَثْبَتَهُ قَوْمٌ وَنَفَاهُ آخَرُونَ.
وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِبَقَاءِ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ مُنَاسَبَةَ الْوَصْفِ تَنْبَنِي عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ، وَالْمَصْلَحَةُ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ لَا تَخْتَلُّ (?) بِمُعَارَضَةِ الْمَفْسَدَةِ، وَدَلِيلُهُ (?) أَنَّ الْمَصْلَحَةَ وَالْمَفْسَدَةَ الْمُتَعَارِضَتَانِ إِمَّا أَنْ يَتَسَاوَيَا أَوْ تَتَرَجَّحُ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ: فَإِمَّا أَنْ تُبْطَلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْأُخْرَى، أَوْ أَنْ تُبْطَلَ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، أَوْ لَا تُبْطَلَ وَاحِدَةٌ مِنْهَا بِالْأُخْرَى. الْأَوَّلُ مُحَالٌ ; لِأَنَّ عَدَمَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِنَّمَا هُوَ بِوُجُودِ الْأُخْرَى، وَذَلِكَ يَجُرُّ إِلَى وُجُودِهِمَا مَعَ عَدَمِهِمَا ضَرُورَةَ أَنَّ الْعِلَّةَ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ مُتَحَقِّقَةً مَعَ الْمَعْلُولِ. وَالثَّانِي مُحَالٌ (?) ; لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَالثَّالِثُ (?) هُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا أَرْجَحَ مِنَ الْأُخْرَى فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إِبْطَالُ الْمَرْجُوحَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ، وَلَا مُنَافَاةَ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ جَوَازِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَلِأَنَّ الرَّاجِحَةَ مِنْهُمَا إِذَا كَانَتْ مُعَارَضَةً بِالْمَرْجُوحَةِ، فَإِمَّا أَنْ يَنْتَفِيَ شَيْءٌ مِنَ الرَّاجِحَةِ لِأَجْلِ الْمَرْجُوحَةِ أَوْ لَا يَنْتَفِي مِنْهَا شَيْءٌ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَهُوَ مُحَالٌ أَنْ تَتَسَاوَيَا لِمَا سَبَقَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ انْتِفَاءُ بَعْضِ الرَّاجِحِ وَبَقَاءُ بَعْضِهِ أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ ; ضَرُورَةَ التَّسَاوِي فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنْ تَفَاوَتَا، فَالْكَلَامُ فِي الرَّاجِحِ كَالْكَلَامِ فِي