وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ، فَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى امْتِنَاعِ ثُبُوتِ مِثْلَ حُكْمِ الْفَرْعِ فِي الْأَصْلِ.
وَعِنْدَ ذَلِكَ فَتَنْصِيصُ الشَّارِعِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ دُونَ حُكْمِ الْفَرْعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ أَفْضَى إِلَى الْمَقْصُودِ مِنْ حُكْمِ الْفَرْعِ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ حُكْمُ الْفَرْعِ أَفْضَى إِلَى الْمَقْصُودِ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ لَكَانَ أَوْلَى بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ فَرْعُ تَصَوُّرِ الِاخْتِلَافِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ هُوَ كَلَامُهُ وَخِطَابُهُ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي تَعَلُّقَاتِهِ وَمُتَعَلِّقَاتِهِ، وَحُكْمُ الشَّارِعِ بِالْوُجُوبِ لَا يُخَالِفُ حُكْمَهُ بِالتَّحْرِيمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ حُكْمُ اللَّهِ وَكَلَامُهُ، وَإِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ كَالذَّمِّ عَلَى الْفِعْلِ، وَالذَّمِّ عَلَى التَّرْكِ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ مَحِلِّ الْخِطَابِ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ اخْتِلَافَ مَحِلِّ الْخِطَابِ غَيْرُ مَوْجُودٍ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ فِي نَفْسِهِ، بِدَلِيلِ اشْتِرَاكِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فِي حُكْمِ الْوُجُوبِ، وَالْقَتْلِ وَالزِّنَى فِي التَّحْرِيمِ. (?)