الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (?) اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ الْعَكْسِ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ فَأَثْبَتَهُ قَوْمٌ وَنَفَاهُ أَصْحَابُنَا وَالْمُعْتَزِلَةُ.
وَقَبْلَ الْخَوْضِ فِي الْحِجَاجِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَقْسَامِ الْعَكْسِ، وَاخْتِلَافِ الِاصْطِلَاحَاتِ فِيهِ وَتَعْيِينِ مَحَلِّ النِّزَاعِ مِنْهَا.
فَنَقُولُ: أَمَّا الْعَكْسُ فِي اللُّغَةِ فَمَأْخُوذٌ مِنْ رَدِّ أَوَّلِ الْأَمْرِ إِلَى آخِرِهِ، وَآخِرِهِ إِلَى أَوَّلِهِ، وَأَصْلُهُ شَدُّ رَأْسِ الْبَعِيرِ بِخِطَامِهِ إِلَى ذِرَاعِهِ.
وَأَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الْحُكَمَاءِ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ جَعْلِ اللَّازِمِ مَلْزُومًا وَالْمَلْزُومِ لَازِمًا مَعَ بِقَاءِ كَيْفِيَّةِ الْقَضِيَّةِ بِحَالِهَا مِنَ السَّلْبِ وَالْإِيجَابِ (?) وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ فِي عَكْسِ الْقَضِيَّةِ الْحَمْلِيَّةِ إِذَا كَانَتْ مُوجِبَةً كُلِّيَّةً كَقَوْلِنَا: (كُلُّ إِنْسَانٍ حَيَوَانٌ) ، أَوْ جُزْئِيَّةً كَقَوْلِنَا: (بَعْضُ الْإِنْسَانِ حَيَوَانٌ) ، (بَعْضُ الْحَيَوَانِ إِنْسَانٌ) ، أَوْ كُلِّيَّةً سَالِبَةً كَقَوْلِنَا: (لَا شَيْءَ مِنَ الْإِنْسَانِ بِحَجَرٍ) ، (لَا شَيْءَ مِنَ الْحَجَرِ بِإِنْسَانٍ) ، وَعَلَى قِيَاسِهِ عَكْسُ الْقَضِيَّةِ الشَّرْطِيَّةِ.
وَأَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ فَقَدْ يَتَعَلَّقُ الْعَكْسُ بِاعْتِبَارَيْنِ:
الْأَوَّلُ مِنْهُمَا مِثْلُ قَوْلِ الْحَنَفِيِّ: لَمَّا لَمْ يَجِبِ الْقَتْلُ بِصَغِيرِ الْمُثَقَّلِ لَمْ يَجِبْ بِكَبِيرِهِ، بِدَلِيلِ عَكْسِهِ فِي الْمُحَدَّدِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ بِكَبِيرِ الْجَارِحِ وَجَبَ بِصَغِيرِهِ، وَهُوَ بَاطِلٌ