بِتَكْلِيفِهَا تَجَنُّبِ الْمُسْتَقْبَحَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَفِعْلِ الْمُسْتَحْسَنَاتِ الْعَقْلِيَّةِ، وَهُوَ فَرْعُ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّ، وَقَدْ أَبْطَلْنَاهُ (?) فَلَمْ يَبْقَ سِوَى التَّعَبِ وَالْعَنَاءِ الْمَحْضِ الَّذِي لَا حَظَّ لِلنَّفْسِ فِيهِ. (?) وَالثَّانِي مُحَالٌ ; لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ الْعَقْلِ بِمَعْرِفَةِ الْفَائِدَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ دُونَ إِخْبَارِ الشَّارِعِ بِهَا وَلَا إِخْبَارَ (?) ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا مَعْنًى لِكَوْنِ الشَّيْءِ وَاجِبًا سِوَى تَرَجُّحِ فِعْلِهِ عَلَى تَرْكِهِ، وَبِالْعَقْلِ يَعْرِفُ التَّرْجِيحَ لَا أَنَّهُ مُرَجِّحٌ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا إِذِ الْمُوجِبُ هُوَ الْمُرَجِّحُ (?) ، وَإِذَا بَطَلَ الْإِيجَابُ الْعَقْلِيُّ تَعَيَّنَ الْإِيجَابُ الشَّرْعِيُّ ضَرُورَةَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى حَصْرِ الْوُجُوبِ فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ، فَإِذَا بَطَلَ أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ تَعَيَّنَ الثَّانِي مِنْهُمَا.
فَإِنْ قِيلَ: شُكْرُ الْمُنْعِمِ مَعْلُومٌ لِكُلِّ أَحَدٍ ضَرُورَةً فَمَا ذَكَرْتُمُوهُ اسْتِدْلَالٌ عَلَى إِبْطَالِ أَمْرٍ ضَرُورِيٍّ فَلَا يُقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلِمَ قُلْتُمْ: إِنَّ إِيجَابَ الْعَقْلِ لِلشُّكْرِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لِفَائِدَةٍ. قَوْلُكُمْ: " حَتَّى لَا يَكُونَ عَبَثًا قَبِيحًا " فَهَذَا مِنْكُمْ لَا يَسْتَقِيمُ مَعَ إِنْكَارِ الْقُبْحِ الْعَقْلِيِّ، كَيْفَ وَإِنَّ تِلْكَ الْفَائِدَةَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةَ التَّحْصِيلِ، وَإِمَّا أَنْ لَا تَكُونَ كَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةَ التَّحْصِيلِ اسْتَدْعَتْ فَائِدَةً أُخْرَى وَهُوَ تَسَلْسُلٌ مُمْتَنِعٌ.