الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ
اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ كَوْنِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى الْأَمَارَةِ الْمُجَرَّدَةِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ (?) ، أَيْ مُشْتَمِلَةً عَلَى حِكْمَةٍ صَالِحَةٍ أَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَتْ وَصْفًا طَرْدِيًّا لَا حِكْمَةَ فِيهِ بَلْ أَمَارَةً مُجَرَّدَةً فَالتَّعْلِيلُ بِهَا فِي الْأَصْلِ مُمْتَنِعٌ لِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْأَمَارَةِ سِوَى تَعْرِيفِ الْحُكْمِ، وَالْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ مَعْرُوفٌ بِالْخِطَابِ لَا بِالْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْهُ.
الثَّانِي: أَنَّ عِلَّةَ الْأَصْلِ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ حُكْمِ الْأَصْلِ وَمُتَفَرِّعَةٌ عَنْهُ، فَلَوْ كَانَتْ مُعَرِّفَةً لِحُكْمِ الْأَصْلِ لَكَانَ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهَا وَمُتَفَرِّعًا عَنْهَا، وَهُوَ دَوْرٌ مُمْتَنِعٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ
ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى امْتِنَاعِ الْحُكْمِ بِالْحِكْمَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنِ الضَّابِطِ (?) وَجَوَّزَهُ الْأَقَلُّونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ الْحِكْمَةِ الظَّاهِرَةِ الْمُنْضَبَةِ بِنَفْسِهَا وَالْحِكْمَةِ الْخَفِيَّةِ الْمُضْطَرِبَةِ، فَجَوَّزَ التَّعْلِيلَ بِالْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ.