وَإِذَا عُرِفَ مَعْنَى الْقِيَاسِ فَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ: الْأَصْلِ، وَالْفَرْعِ، وَحُكْمِ الْأَصْلِ، وَالْوَصْفِ الْجَامِعِ.
أَمَّا الْأَصْلُ، فَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى أَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَقَوْلِنَا: إِنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ أَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ رِسَالَةِ الرَّسُولِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ مَعْرِفَةَ الرَّسُولِ تَنْبَنِي عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُرْسَلِ. الثَّانِي: مَا عُرِفَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إِلَى غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يُبْنَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَذَلِكَ كَمَا تَقُولُهُ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ فَإِنَّهُ أَصْلٌ وَإِنْ لَمْ يُبْنَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ.
وَعَلَى هَذَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَصْلِ فِي الْقِيَاسِ، وَذَلِكَ كَمَا إِذَا قِسْنَا النَّبِيذَ عَلَى الْخَمْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «حُرِّمَتِ الْخَمْرَةُ لِعَيْنِهَا» " (?) فِي تَحْرِيمِ الشَّرَابِ هَلِ الْأَصْلُ هُوَ النَّصُّ أَوِ الْخَمْرُ أَوِ الْحُكْمُ الثَّابِتُ فِي الْخَمْرِ؟ وَهُوَ التَّحْرِيمُ مَعَ اتِّفَاقِ الْكُلِّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْخَمْرِ وَهِيَ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ لَيْسَتْ هِيَ الْأَصْلَ.
فَقَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ: الْأَصْلُ هُوَ النَّصُّ الدَّالُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ لِأَنَّهُ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ، وَالْأَصْلُ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ.