فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ مَعَارَضٌ بِالنَّقْلِ وَالْمَعْنَى.
أَمَّا النَّقْلُ: فَهُوَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حِينَ قَالَ لِعُثْمَانَ: كَيْفَ تُحْجَبُ الْأُمُّ عَنِ الثُّلُثِ بِالْأَخَوَيْنِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} وَالْأَخَوَانِ لَيْسَا بِإِخْوَةٍ؟ قَالَ عُثْمَانُ: حَجَبَهَا قَوْمُكَ يَا غُلَامُ. (?) وَذَلِكَ دَلِيلُ النَّسْخِ بِالْإِجْمَاعِ.
وَأَمَّا الْمَعْنَى فَهُوَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ دَلِيلٌ مِنْ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ الْقَطْعِيَّةِ فَجَازَ النَّسْخُ بِهِ كَالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ.
قُلْنَا: أَمَّا قِصَّةُ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَ عُثْمَانَ إِنَّمَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا أَنْ لَوْ كَانَ حُكْمُ الْأُمِّ مَعَ الْأَخَوَيْنِ مَنْسُوخًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَخَوَانِ لَيْسَا بِإِخْوَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَسَائِلِ الْعُمُومِ.
وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْمَعْنَى فَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى إِثْبَاتِ كَوْنِهِ نَاسِخًا بِالْقِيَاسِ عَلَى النَّصِّ، وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمِ الصِّحَّةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا غَيْرَ أَنَّهُ مِمَّا يَمْتَنِعُ التَّمَسُّكُ بِهِ لِمَا بَيَّنَّاهُ.