وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّكْلِيفَ بِمَا هُوَ أَشَقُّ فِي الدُّنْيَا إِذَا كَانَ ثَوَابُهُ الْمَآلُ أَكْثَرَ وَأَدْفَعَ لِلْعِقَابِ الْمُجْتَلَبِ بِالْمَعَاصِي أَنَّهُ يُسْرٌ لَا عُسْرٌ.

وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إِرَادَةُ الْيُسْرِ وَعَدَمُ إِرَادَةِ الْعُسْرِ الْعَاجِلِ، لَكِنَّهُ يَجِبُ تَخْصِيصُهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.

وَعَنِ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وَضْعِ الْإِصْرِ وَالثِّقَلِ الَّذِي كَانَ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا عَنَّا، امْتِنَاعُ وُرُودِ نَسْخِ الْأَخَفِّ بِالْأَثْقَلِ فِي شَرْعِنَا.

وَعَنِ الْآيَةِ الرَّابِعَةِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ عَائِدًا إِلَى نَسْخِ التِّلَاوَةِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، إِذِ النِّزَاعُ إِنَّمَا هُوَ فِي نَسْخِ الْحُكْمِ الْأَخَفِّ بِالْأَثْقَلِ، وَإِنْ كَانَ عَائِدًا إِلَى نَسْخِ حُكْمِ الْآيَةِ فَالْخَيْرُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ يَرْجِعُ إِلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ فِي الثَّوَابِ.

وَمِنْهُ يُقَالُ: الْفَرْضُ خَيْرٌ مِنَ النَّفْلِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ أَكْثَرُ فِي الثَّوَابِ، وَإِنْ كَانَ أَشَقَّ مِنَ النَّفْلِ عَلَى النَّفْسِ، وَفِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ يَرْجِعُ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ فِي الْعَاجِلِ وَأَصْلَحُ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْأَسْهَلِ، وَلِهَذَا يَحْسُنُ أَنْ يَقُولَ الطَّبِيبُ لِلْمَرِيضِ: " الْجُوعُ وَالْعَطَشُ أَصْلَحُ لَكَ وَخَيْرٌ مِنَ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ ".

وَعَلَى هَذَا فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ التَّكْلِيفُ بِالْأَشَقِّ أَكْثَرَ ثَوَابًا وَأَصْلَحَ فِي الْمَآلِ، عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ - وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} ، وَقَالَ تَعَالَى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: " «ثَوَابُكِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ» " (?) فَكَانَ التَّكْلِيفُ بِالْأَشَقِّ خَيْرًا مِنَ الْأَخَفِّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015