فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ بِعَيْنِهِ لَازِمٌ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ مَعَ الْيُتْمِ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ.
قُلْنَا: الْمُخْتَارُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إِنَّمَا هُوَ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْحَاجَةِ مَعَ الْيُتْمِ، وَبِتَقْدِيرِ الْقَوْلِ بِذَلِكَ فَاعْتِبَارُ الْحَاجَةِ إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّ لَفْظَ الْيُتْمِ مَعَ قَرِينَةِ إِعْطَاءِ الْمَالِ مُشْعِرٌ بِهَا، فَاعْتِبَارُهَا يَكُونُ اعْتِبَارًا لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ إِلْغَاءٌ لَهُ وَالْيُتْمُ بِمُجَرَّدِهِ عَنِ اقْتِرَانِ الْحَاجَةِ بِهِ غَيْرُ صَالِحٍ لِلتَّعْلِيلِ، بِخِلَافِ الْقَرَابَةِ فَإِنَّ الْقَرَابَةَ بِمُجَرَّدِهَا مُنَاسِبَةٌ لِلْإِكْرَامِ بِاسْتِحْقَاقِ خُمُسِ الْخُمُسِ (?) كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَاعْتِبَارُ الْحَاجَةِ مَعَهَا يَكُونُ تَرْكًا لِلْعَمَلِ بِمَا ظَهَرَ كَوْنُهُ عِلَّةً وَعُمِلَ بِغَيْرِهِ وَهُوَ مُنَاقَضَةٌ لَا تَأْوِيلٌ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ
وَمِنَ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ أَيْضًا مَصِيرُ قَوْمٍ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ دَالِيَةٍ نِصْفُ الْعُشْرِ» (?) لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي إِيجَابِ الْعُشْرِ وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِي الْخُضْرَوَاتِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الَّذِي سِيقَ الْكَلَامُ لِأَجْلِهِ إِنَّمَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعُشْرِ وَنِصْفُ الْعُشْرِ، لَا بَيَانُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ، وَهُوَ بَعِيدٌ أَيْضًا لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَسُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ دَالِيَةٍ بِوَضْعِ اللُّغَةِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ، وَكَوْنُ ذَلِكَ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ قَصْدِ التَّعْمِيمِ؛ إِذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْخَبَرَ لَمْ يَرِدْ إِلَّا لِقَصْدِ الْفَرْقِ وَذَلِكَ مِمَّا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ.