سَلَّمْنَا: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْإِضْمَارِ، وَلَكِنْ مَا الْمَانِعُ مِنْ إِضْمَارِ جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعَيْنِ الْمُضَافِ إِلَيْهَا التَّحْلِيلُ وَالتَّحْرِيمُ.

قَوْلُهُمْ: إِنَّ زِيَادَةَ الْإِضْمَارِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ.

قُلْنَا: فَإِضْمَارُ الْبَعْضِ إِمَّا إِلَى الْإِجْمَالِ أَوْ لَا يُفْضِي إِلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ، فَقَدْ بَطَلَ مَذْهَبُكُمْ وَإِنْ كَانَ يُفْضِي إِلَى الْإِجْمَالِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارِ الْكُلِّ، حَذَرًا مِنْ تَعْطِيلِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ.

فَلَئِنْ قَالُوا: إِضْمَارُ الْبَعْضِ، وَإِنْ أَفْضَى إِلَى الْإِجْمَالِ، فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إِلَى تَعْطِيلِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ مُطْلَقًا، لِإِمْكَانِ مَعْرِفَةِ تَعْيِينِ مَدْلُولِهِ بِدَلِيلٍ آخَرَ.

وَأَمَا مَحْذُورُ إِضْمَارِ كُلِّ التَّصَرُّفَاتِ فَلَازِمٌ مُطْلَقًا.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْتِزَامَ الْمَحْذُورِ الدَّائِمِ أَعْظَمُ مِنَ الْتِزَامِ الْمَحْذُورِ الَّذِي لَا يَدُومُ.

قُلْنَا: بَلِ الْتِزَامُ مَحْذُورِهِ إِضْمَارُ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ أَوْلَى مِنَ الْتِزَامِ مَحْذُورِ الْإِجْمَالِ فِي اللَّفْظِ لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِضْمَارَ فِي اللُّغَةِ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا مِنَ اسْتِعْمَالِ الْأَلْفَاظِ الْمُجْمَلَةِ، وَلَوْلَا أَنَّ الْمَحْذُورَ فِي الْإِضْمَارِ أَقَلُّ، لَمَا كَانَ اسْتِعْمَالُهُ أَكْثَرَ.

الثَّانِي: أَنَّهُ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُودِ الْإِضْمَارِ فِي اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ وَاخْتُلِفَ فِي وُجُودِ الْإِجْمَالِ فِيهِمَا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَحْذُورَ الْإِضْمَارِ أَقَلُّ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا، وَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا» ) (?) وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى إِضْمَارِ جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالشُّحُومِ وَإِلَّا لَمَا لَحِقَهُمُ اللَّعْنُ بِبَيْعِهَا.

وَلَوْ كَانَ الْإِجْمَالُ أَوْلَى مِنْ إِضْمَارِ الْكُلِّ، لَكَانَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْأَوْلَى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015