) وَلَا اسْتِقْلَالَ لَهُ بِنَفْسِهِ، فَوَجَبَ رَدُّهُ إِلَى مَا هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَمُشَارِكٌ لَهُ فِي حُكْمِهِ.

وَأَمَّا حُجَّةُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا امْتَنَعَ التَّقْيِيدُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ لِمَا سَبَقَ. فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ وَلَا نَصَّ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَالْقِيَاسُ يَلْزَمُ مِنْهُ رَفْعُ مَا اقْتَضَاهُ الْمُطْلَقُ مِنَ الْخُرُوجِ عَنِ الْعُهْدَةِ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ، مِمَّا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ، كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ، فَيَكُونُ نَسْخًا، وَنَسْخُ النَّصِّ لَا يَكُونُ بِالْقِيَاسِ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ الْقِيَاسِ نَسْخُ النَّصِّ الْمُطْلَقِ، بَلْ تَقْيِيدُهُ بِبَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ، وَذَلِكَ لَا يَزِيدُ عَلَى تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ عِنْدَكُمْ، فَكَذَلِكَ التَّقْيِيدُ.

كَيْفَ وَإِنَّ لَفْظَ (الرَّقَبَةِ) مُطْلَقٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّلِيمَةِ وَالْمَعِيبَةِ، وَقَدْ كَانَ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَيْضًا الْخُرُوجَ عَنِ الْعُهْدَةِ بِالْمَعِيبَةِ، وَقَدْ شَرَطْتُمْ صِفَةَ السَّلَامَةِ، وَلَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ نَصٌّ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ.

وَإِنْ كَانَ بِالْقِيَاسِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَسْخًا، أَوْ لَا يَكُونَ نَسْخًا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَقَدْ بَطَلَ قَوْلُكُمْ: إِنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ بِالْقِيَاسِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَسْخًا، فَقَدْ بَطَلَ قَوْلُكُمْ: إِنَّ رَفْعَ حُكْمِ الْمُطْلَقِ بِالْقِيَاسِ يَكُونُ نَسْخًا.

وَأَمَّا حُجَّةُ مَنْ قَالَ بِالتَّقْيِيدِ، بِنَاءً عَلَى الْقِيَاسِ فَالْوَجْهُ فِي ضَعْفِهِ مَا سَبَقَ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ فَعَلَيْكَ بِنَقْلِهِ إِلَى هَاهُنَا.

وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْوَصْفُ الْجَامِعُ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ مُؤَثِّرًا أَيْ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، وَجَبَ الْقَضَاءُ بِالتَّقْيِيدِ، بِنَاءً عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَنْبَطًا مِنَ الْحُكْمِ الْمُقَيَّدِ فَلَا، كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015