الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ
اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا وَرَدَ لَفْظٌ عَامٌّ، وَلَفْظٌ خَاصٌّ يَدُلُّ عَلَى بَعْضِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْعَامُّ، لَا يَكُونُ الْخَاصُّ مُخَصِّصًا لِلْعَامِّ بِجِنْسِ مَدْلُولِ الْخَاصِّ وَمُخْرِجًا عَنْهُ مَا سِوَاهُ خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.
وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَيُّمَا إِهَابٌ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» " فَإِنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ إِهَابٍ، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ: " «دِبَاغُهَا طَهُورُهَا» "، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مُخَصِّصًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْعَمَلِ بِالْخَاصِّ وَإِجْرَاءِ الْعَامِّ عَلَى عُمُومِهِ، وَمَعَ إِمْكَانِ إِجْرَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى ظَاهِرِهِ لَا حَاجَةَ إِلَى الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا وَمُخَالَفَةِ الْآخَرِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدِ اخْتَرْتُمْ أَنَّ الْمَفْهُومَ يَكُونُ مُخَصِّصًا لِلْعُمُومِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ، وَتَخْصِيصُ (جِلْدِ الشَّاةِ بِالذِّكْرِ) يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا سِوَى الشَّاةِ مِنْ جُلُودِ بَاقِي الْحَيَوَانَاتِ، فَكَانَ مُخَصِّصًا لِلْعُمُومِ الْوَارِدِ بِتَطْهِيرِهَا.
قُلْنَا: أَمَّا مَنْ نَفَى كَوْنَ الْمَفْهُومِ حُجَّةً وَأَبْطَلَ دَلَالَتَهُ كَمَا يَأْتِي تَحْقِيقُهُ فَلَا أَثَرَ لِإِلْزَامِهِ بِهِ هَاهُنَا.
وَمَنْ قَالَ بِالْمَفْهُومِ الْمُخَصِّصِ لِلْعُمُومِ، إِنَّمَا قَالَ بِهِ فِي مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَمَفْهُومِ الصِّفَةِ الْمُشْتَقَّةِ كَمَا سَبَقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَا فِي مَفْهُومِ اللَّقَبِ، وَتَخْصِيصُ جِلْدِ الشَّاةِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الطَّهَارَةِ بِالدِّبَاغِ عَنْ بَاقِي جُلُودِ الْحَيَوَانَاتِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرَةِ وَغَيْرِهَا إِلَّا بِطَرِيقِ مَفْهُومِ اللَّقَبِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى مَا يَأْتِي تَحْقِيقُهُ.
وَلِهَذَا، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: عِيسَى رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا لَيْسَ بِرَسُولِ اللَّهِ.
وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: الْحَادِثُ مَوْجُودٌ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَدِيمَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ كُفْرًا.