مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَدَّدًا، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا (?) .
احْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ الِانْتِهَاءَ فِي التَّخْصِيصِ إِلَى الْوَاحِدِ بِالنَّصِّ، وَالْإِطْلَاقِ وَالْمَعْنَى.
أَمَّا النَّصُّ فَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وَأَرَادَ بِهِ نَفْسَهُ وَحْدَهُ.
وَأَمَّا الْإِطْلَاقُ فَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَدْ أَنْفَذَ إِلَيْهِ الْقَعْقَاعَ مَعَ أَلْفِ فَارِسٍ: " قَدْ أَنْفَذْتُ إِلَيْكَ أَلْفَيْ رَجُلٍ "، أَطْلَقَ اسْمَ الْأَلْفِ الْأُخْرَى وَأَرَادَ بِهَا الْقَعْقَاعَ (?) .
وَأَمَّا الْمَعْنَى فَمِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَوِ امْتَنَعَ الِانْتِهَاءُ فِي التَّخْصِيصِ إِلَى الْوَاحِدِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ صَارَ مَجَازًا، أَوْ لِأَنَّهُ إِذَا اسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ مِنَ الِاسْتِغْرَاقِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ لَوْ قِيلَ بِكَوْنِهِ مَانِعًا لَزِمَ امْتِنَاعُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ مُطْلَقًا وَلَا بِعَدَدٍ مَا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَجَازًا فِي ذَلِكَ الْعَدَدِ، وَغَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ فِيمَا هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ.
وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ.
الثَّانِي: أَنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي الْوَاحِدِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ بَعْضٌ مِنَ الْكُلِّ يَكُونُ مَجَازًا كَمَا فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي الْكَثْرَةِ، فَإِذَا جَازَ التَّجَوُّزُ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ عَنِ الْكَثْرَةِ فَكَذَا فِي الْوَاحِدِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: أَمَّا الْآيَةُ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى تَعْظِيمِ الْمُتَكَلِّمِ، وَهُوَ بِمَعْزِلٍ عَنِ التَّخْصِيصِ بِالْوَاحِدِ.
وَأَمَّا الْإِطْلَاقُ الْعُمَرِيُّ فَمَحْمُولٌ عَلَى قَصْدِ بَيَانِ أَنَّ ذَلِكَ الْوَاحِدَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَلْفِ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْنَى التَّخْصِيصِ.