الْمَسْأَلَةُ الْعِشْرُونَ
اخْتَلَفُوا فِي دُخُولِ الْعَبْدِ تَحْتَ التَّكَالِيفِ بِالْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ الْمُطْقَلَةِ كَلَفْظِ النَّاسِ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَأَثْبَتَهُ الْأَكْثَرُونَ وَنَفَاهُ الْأَقَلُّونَ إِلَّا بِقَرِينَةٍ وَدَلِيلٍ يَخُصُّهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِدُخُولِهِ فِي الْعُمُومَاتِ الْمُثْبِتَةِ لِحُقُوقِ اللَّهِ دُونَ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَالْمُخْتَارُ إِنَّمَا هُوَ الدُّخُولُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ إِذَا كَانَ بِلَفْظِ النَّاسِ أَوِ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ لِكُلِّ مَنْ هُوَ مِنَ النَّاسِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَالْعَبْدُ مِنَ النَّاسِ وَالْمُؤْمِنِينَ حَقِيقَةً فَكَانَ دَاخِلًا فِي عُمُومَاتِ الْخِطَابِ بِوَضْعِهِ لُغَةً إِلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْهُ (?) .
فَإِنْ قِيلَ: الْعَبْدُ مِنْ حَيْثُ هُوَ عَبْدٌ مَالٌ لِسَيِّدِهِ، وَلِذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ حَسَبَ تَصَرُّفِهِ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَإِذَا كَانَ مَالًا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْبَهَائِمِ، فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ عُمُومِ خِطَابِ الشَّارِعِ.
سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ كَالْبَهَائِمِ إِلَّا أَنَّ أَفْعَالَهُ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا التَّكْلِيفُ وَيَحْصُلُ بِهَا الِامْتِثَالُ مَمْلُوكَةٌ لِسَيِّدِهِ، وَيَجِبُ صَرْفُهَا إِلَى مَنَافِعِهِ بِخِطَابِ الشَّرْعِ، فَلَا يَكُونُ الْخِطَابُ مُتَعَلِّقًا بِصَرْفِهَا إِلَى غَيْرِ مَنَافِعِ السَّيِّدِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّنَاقُضِ.
سَلَّمْنَا عَدَمَ التَّنَاقُضِ غَيْرَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى إِخْرَاجِ الْعَبْدِ عَنْ مُطْلَقِ الْخِطَابِ الْعَامِّ بِالْجِهَادِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعُمُومَاتِ الْوَارِدَةِ بِصِحَّةِ التَّبَرُّعِ وَالْإِقْرَارِ بِالْحُقُوقِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ عُمُومِ الْخِطَابِ بِمُطْلَقِهِ لَكَانَ خُرُوجُهُ عَنْهَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ.