فِيهِ أَمْرُ الرَّسُولِ، وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ (?) فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ.
هَذَا مَا قِيلَ مِنَ الْحُجَجِ الْعَقْلِيَّةِ.
وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنَ الْحُجَجِ النَّقْلِيَّةِ الْوَاهِيَةِ، فَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} وَوَجْهُ الِاحْتِجَاجِ بِهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْإِنْذَارَ عَلَى كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ فِرْقَةٍ خَرَجَتْ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ عِنْدَ رُجُوعِهِمْ إِلَى قَوْمِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} (?) أَمَرَ بِالْإِنْذَارِ، وَالْإِنْذَارُ هُوَ الْإِخْبَارُ (?) وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ.
وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالْإِنْذَارِ طَلَبًا لِلْحَذَرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} وَ (لَعَلَّ) ظَاهِرَةٌ فِي التَّرَجِّي (?) وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَتَعَيَّنَ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ مُلَازِمٌ لِلتَّرَجِّي، وَهُوَ الطَّلَبُ، فَكَانَ الْأَمْرُ بِالْإِنْذَارِ طَلَبًا لِلتَّحْذِيرِ، فَكَانَ أَمْرًا بِالتَّحْذِيرِ فَكَانَ الْحَذَرُ وَاجِبًا.
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ إِخْبَارَ كُلِّ طَائِفَةٍ مُوجِبٌ لِلْحَذَرِ، فَالْمُرَادُ مِنْ لَفْظِ " الطَّائِفَةِ " إِنَّمَا هُوَ الْعَدَدُ الَّذِي لَا يَنْتَهِي إِلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ. وَبَيَانُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ لَفْظَ الطَّائِفَةِ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى عَدَدٍ لَا يَنْتَهِي إِلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ، كَالِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَعَلَى الْعَدَدِ الْمُنْتَهِي إِلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ، وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ، وَيَجِبُ اعْتِقَادُ اتِّحَادِ الْمُسَمَّى؛ نَفْيًا لِلتَّجَوُّزِ وَالِاشْتِرَاكِ عَنِ اللَّفْظِ.
وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ لَا يَخْرُجُ عَنِ الْعَدَدِ الْقَلِيلِ وَمَا لَازَمَهُ، فَكَانَ هُوَ الْمُسَمَّى.