عِنْدَ الْمُشَاقَّةِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِمَفْسَدَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ (?) أَوْ لَا لِمَفْسَدَةٍ.
لَا جَائِزٌ أَنْ يُقَالَ بِالثَّانِي: فَإِنَّ مَا لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ لَا تَوَعُّدَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَالْمَفْسَدَةُ فِي اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ جِهَةِ مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ أَوْ لَا مِنْ جِهَةِ مُشَاقَّتِهِ.
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَذِكْرُ الْمُشَاقَّةِ كَافٍ فِي التَّوَعُّدِ كَمَا قِيلَ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى قَوْلِهِ: " {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} "، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ لَزِمَ التَّوَعُّدُ لِتَحَقُّقِ الْمَفْسَدَةِ سَوَاءٌ وُجِدَتِ الْمُشَاقَّةُ أَوْ لَمْ تُوجَدْ (?) .
قَوْلُهُمْ إِنَّ (غَيْرَ) مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى إِلَّا أَوْ بِمَعْنَى الصِّفَةِ، قُلْنَا: لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ (غَيْرُ) هَاهُنَا صِفَةً ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَحْرِيمُ مُتَابِعَةِ سَبِيلِ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْأُمَّةَ إِذَا أَجْمَعَتْ عَلَى إِبَاحَةِ فِعْلٍ مِنَ الْأَفْعَالِ أَنْ يَحْرُمَ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يَقُولَ بِحَظْرِهِ أَوْ وُجُوبِهِ، وَالْمُخَالِفُ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ تَحْرِيمَ اتِّبَاعِ سَبِيلِ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَذَلِكَ يَعُمُّ تَحْرِيمَ كُلِّ سَبِيلٍ هُوَ غَيْرُ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّهُ سَبِيلُ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَلِهَذَا فَإِنَّ مَنِ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ حَالَةً، وَتَمَسَّكَ بِهَا وَكَانَ مَعْرُوفًا بِهَا يُقَالُ إِنَّهَا سَبِيلُهُ، سَوَاءٌ تَعَدَّدَتِ الْأَحْوَالُ أَوِ اتَّحَدَتْ.