يَعْلَمُ عَوَرَ كَلَامِهِ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ تَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبًا فَالْمُبَاحُ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ تَرْكِ الْحَرَامِ، بَلْ شَيْءٌ يُتْرَكُ بِهِ الْحَرَامُ مَعَ إِمْكَانِ تَحَقُّقِ تَرْكِ الْحَرَامِ بِغَيْرِهِ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا. وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ، فَإِنَّهُ إِذًا ثَبَتَ أَنَّ تَرْكَ الْحَرَامِ وَاجِبٌ، وَأَنَّهُ لَا يَتِمُّ بِدُونِ التَّلَبُّسِ بِضِدٍّ مِنْ أَضْدَادِهِ.
وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ دُونَهُ فَهُوَ وَاجِبٌ، فَالتَّلَبُّسُ بِضِدٍّ مِنْ أَضْدَادِهِ وَاجِبٌ، غَايَتُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنَ الْأَضْدَادِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ قَبْلَ تَعْيِينِ الْمُكَلَّفِ لَهُ، وَلَكِنْ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِهِ بَعْدَ التَّعْيِينِ، وَلَا خَلَاصَ عَنْهُ إِلَّا بِمَنْعِ وُجُوبِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ، وَفِيهِ خَرْقُ الْقَاعِدَةِ الْمُمَهَّدَةِ عَلَى أُصُولِ الْأَصْحَابِ.
وَغَايَةُ مَا أُلْزِمَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرْتَ لَكَانَ الْمَنْدُوبُ بَلِ الْمُحَرَّمُ إِذَا تُرِكَ بِهِ مُحْرَمٌ آخَرُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا، وَكَانَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ حَرَامًا عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ عِنْدَ مَا إِذَا تَرَكَ بِهَا وَاجِبًا آخَرَ، وَهُوَ مُحَالٌ، فَكَانَ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنَ الْحُكْمِ عَلَى الْفِعْلِ الْوَاحِدِ بِالْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ، بِالنَّظَرِ إِلَى جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَنَحْوِهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ وَإِنِ اسْتَبْعَدَهُ مَنِ اسْتَبْعَدَهُ فَهُوَ فِي غَايَةِ الْغُمُوضِ وَالْإِشْكَالِ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَ غَيْرِي حَلُّهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ
اخْتَلَفُوا فِي الْمُبَاحِ: هَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْوَاجِبِ أَمْ لَا؟
وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِالدُّخُولِ، أَنَّ الْمُبَاحَ مَا لَا حَرَجَ عَلَى فِعْلِهِ. وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ فِي الْوَاجِبِ، وَالزِّيَادَةُ الَّتِي اخْتُصَّ بِهَا الْوَاجِبُ غَيْرُ نَافِيَةٍ لِلِاشْتِرَاكِ فِيمَا قِيلَ.
وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِالتَّبَايُنِ، أَنَّ الْمُبَاحَ مَا خُيِّرَ فِيهِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ (?) ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي الْوَاجِبِ وَهُوَ الْحَقُّ. (?)