فِي الدِّينِ وَالتَّأَهُّلِ لِلِاجْتِهَادِ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ فِي كُلِّ عَصْرٍ إِذَا أَمْكَنَ اعْتِمَادُ الْعَوَامِّ عَلَى الْأَحْكَامِ الْمَنْقُولَةِ إِلَيْهِمْ فِي كُلِّ عَصْرٍ عَمَّنْ سَبَقَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ بِالنَّقْلِ الْمُغَلَّبِ عَلَى الظَّنِّ، أَوْ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ، الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَ ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنِ الْوَجْهِ الثَّانِي مِنَ الْمَعْقُولِ أَيْضًا.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ
مَنْ لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ، هَلْ تَجُوزُ لَهُ الْفَتْوَى بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي زَمَنِنَا هَذَا؟
اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَذَهَبَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُسْأَلُ عَمَّا عِنْدَهُ لَا عَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَتِ الْفَتْوَى بِطَرِيقِ الْحِكَايَةِ عَنْ مَذْهَبِ الْغَيْرِ لَجَازَ ذَلِكَ لِلْعَامِّيِّ، وَهُوَ مُحَالٌ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِنَقْلِ مَنْ يُوثَقُ بِقَوْلِهِ.
وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُجْتَهِدًا فِي الْمَذْهَبِ بِحَيْثُ يَكُونُ مُطَّلِعًا عَلَى مَأْخَذِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ الَّذِي يُقَلِّدُهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى التَّفْرِيعِ عَلَى قَوَاعِدِ إِمَامِهِ وَأَقْوَالِهِ، مُتَمَكِّنٌ مِنَ الْفَرْقِ وَالْجَمْعِ وَالنَّظَرِ وَالْمُنَاظَرَةِ فِي ذَلِكَ (?) كَانَ لَهُ الْفَتْوَى تَمْيِيزًا لَهُ عَنِ الْعَامِّيِّ، وَدَلِيلُهُ انْقِطَاعُ الْإِجْمَاعِ مِنْ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ عَلَى قَبُولِ مِثْلِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْفَتْوَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا.