فَإِنْ قِيلَ: دَلِيلُ امْتِنَاعِهِ النَّصُّ وَالْمَعْقُولُ.
أَمَّا النَّصُّ: فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ، وَحَتَّى يَظْهَرَ الدَّجَّالُ» ". (?) وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: " «وَاشَوْقَاهْ إِلَى إِخْوَانِي! ! قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا إِخْوَانَكَ؟ فَقَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابِي، إِخْوَانِي قَوْمٌ يَأْتُونَ بَعْدِي يَهْرُبُونَ بِدِينِهِمْ مِنْ شَاهِقٍ إِلَى شَاهِقٍ، وَيَصْلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ» ". (?) وَأَيْضًا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ» " (?) وَأَحَقُّ الْأُمَمِ بِالْوِرَاثَةِ هَذِهِ الْأُمَّةُ، وَأَحَقُّ الْأَنْبِيَاءِ بِإِرْثِ الْعِلْمِ عَنْهُ نَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ: فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ التَّفَقُّهَ فِي الدِّينِ وَالِاجْتِهَادَ فِيهِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ بِحَيْثُ إِذَا اتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى تَرْكِهِ أَثِمُوا، فَلَوْ جَازَ خُلُوُّ الْعَصْرِ عَمَّنْ يَقُومُ بِهِ لَزِمَ مِنْهُ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْعَصْرِ عَلَى الْخَطَأِ وَالضَّلَالَةِ، وَهُوَ مُمْتَنَعٌ لِمَا سَبَقَ. (?) الثَّانِي: أَنَّ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ الِاجْتِهَادُ، فَلَوْ خَلَا الْعَصْرُ عَنْ مُجْتَهِدٍ يُمْكِنُ الِاسْتِنَادُ إِلَيْهِ فِي مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ أَفْضَى إِلَى تَعْطِيلِ الشَّرِيعَةِ وَانْدِرَاسِ الْأَحْكَامِ، وَذَلِكَ مُمْتَنَعٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ عُمُومِ مَا سَبَقَ مِنَ النُّصُوصِ.