وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْمٍ: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ لِلتَّقْلِيدِ، وَالْمَذْمُومُ لَا يَكُونُ جَائِزًا.
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» " (?) ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «اجْتَهِدُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» " (?) ، وَالنَّصَّانِ عَامَّانِ فِي الْأَشْخَاصِ وَفِي كُلِّ عِلْمٍ، وَهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى وُجُوبِ النَّظَرِ.
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ: فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعَامِّيَّ لَوْ كَانَ مَأْمُورًا بِالتَّقْلِيدِ فَلَا يُأْمَنُ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَلَّدَهُ مُخْطِئًا، وَأَنَّهُ كَاذِبٌ فِيمَا أَخْبَرَهُ بِهِ، فَيَكُونُ الْعَامِّيُّ مَأْمُورًا بِاتِّبَاعِ الْخَطَإِ وَالْكَذِبِ، وَذَلِكَ عَلَى الشَّارِعِ مُمْتَنِعٌ.
الثَّانِي: أَنَّ الْفُرُوعَ وَالْأُصُولَ مُشْتَرِكَةٌ فِي التَّكْلِيفِ بِهَا، فَلَوْ جَازَ التَّقْلِيدُ فِي الْفُرُوعِ لِمَنْ ظَهَرَ صِدْقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ لَجَازَ ذَلِكَ فِي الْأُصُولِ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ الْأُولَى: أَنَّهَا مُشْتَرِكَةُ الدَّلَالَةِ، فَإِنَّ النَّظَرَ أَيْضًا وَالِاجْتِهَادَ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ قَوْلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ.
وَلَا بُدَّ مِنْ سُلُوكِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِ امْتِنَاعِ أَحَدِهِمَا كَيْفَ وَيَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى مَا لَا يُعْلَمُ فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ تَقْلِيلًا لِتَخْصِيصِ الْعُمُومِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ.