وَمِنْهُمْ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ الْقَوْلَانِ التَّخْطِئَةَ وَالتَّصْوِيبَ، كَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدِ بْنِ حَنْبَلٍ وَالْأَشْعَرِيِّ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ، فَإِنْ قَصَّرَ فِي طَلَبِهِ فَهُوَ مُخْطِئٌ آثِمٌ لِتَقْصِيرِهِ فِيمَا كُلِّفَ بِهِ مِنَ الطَّلَبِ، وَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ فِيهِ وَأَفْرَغَ الْوُسْعَ فِي طَلَبِهِ لَكِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إِلَيْهِ ; إِمَّا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ أَوْ لِإِخْفَاءِ الرَّاوِي لَهُ وَعَدَمِ تَبْلِيغِهِ، فَلَا إِثْمَ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ، وَهَلْ هُوَ مُخْطِئٌ أَوْ مُصِيبٌ؟ فَفِيهِ (?) مِنَ الْخِلَافِ مَا سَبَقَ.
وَالْمُخْتَارُ إِنَّمَا هُوَ امْتِنَاعُ التَّصْوِيبِ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ (?) غَيْرَ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ قَدِ احْتَجُّوا بِحُجَجٍ ضَعِيفَةٍ لَا بُدَّ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَيْهَا وَالتَّنْبِيهِ عَلَى مَا فِيهَا، ثُمَّ نَذْكُرُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا هُوَ الْمُخْتَارُ.
الْحُجَّةُ الْأُولَى: مِنْ جِهَةِ الْكِتَابِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ - فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} .
وَوَجْهُ الِاحْتِجَاجِ بِهِ أَنَّهُ خَصَّصَ سُلَيْمَانَ بِفَهْمِ الْحَقِّ فِي الْوَاقِعَةِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ فَهْمِ (دَاوُدَ) لَهُ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ التَّخْصِيصُ مُفِيدًا، وَهُوَ دَلِيلُ اتِّحَادِ حُكْمِ اللَّهِ فِي الْوَاقِعَةِ وَأَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ.
وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} وَلَوْلَا أَنَّ فِي مَحَلِّ الِاسْتِنْبَاطِ حُكْمًا مُعَيَّنًا لَمَا كَانَ كَذَلِكَ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا تَفَرَّقُوا فِيهِ) ، {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا} ، {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} وَذَلِكَ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى اتِّحَادِ الْحَقِّ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَى الْآيَةِ الْأُولَى: غَايَةُ مَا فِيهَا تَخْصِيصُ سُلَيْمَانَ بِالْفَهْمِ وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ فِي حَقِّ (دَاوُدَ) إِلَّا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي مَسَائِلِ الْمَفْهُومِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ حُجَّةٌ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُمَا حَكَمَا فِي تِلْكَ