وَعَمَّا ذَكَرُوهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنَ الْمَعْقُولِ (?) إِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الِاجْتِهَادَ بِالْقِيَاسِ يَسْتَدْعِي أَصْلًا ثَابِتًا لَا بِالِاجْتِهَادِ قَطْعًا لِلتَّسَلْسُلِ. (?) قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ قَدِ اخْتُصَّ بِمَنْصِبِ الرِّسَالَةِ، فَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْهُ.

قُلْنَا: وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ زِيَادَةَ الثَّوَابِ بِزِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ نَوْعُ فَضِيلَةٍ، فَيَبْعُدُ اخْتِصَاصُ أَحَدٍ مِنْ أُمَّتِهِ بِفَضِيلَةٍ لَا تَكُونُ مَوْجُودَةً فِي حَقِّ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِلَّا كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَهُوَ بَعِيدٌ.

وَعَمَّا ذَكَرُوهُ عَلَى الثَّانِي مِنَ الْمَعْقُولِ أَنَّهُ بَاطِلٌ بِاجْتِهَادِ أَهْلِ عَصْرِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ وَاقِعًا بِدَلِيلِ تَقْرِيرِهِ لِمُعَاذٍ عَلَى قَوْلِهِ: " أَجْتَهِدُ رَأْيِي "، وَلَمْ يَكُنِ احْتِمَالُ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ بِوُرُودِ الْوَحْيِ إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَانِعًا مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي حَقِّهِ، وَإِنَّمَا الْمَانِعُ وُجُودُ النَّصِّ لِاحْتِمَالِ وُجُودِهِ.

وَعَنِ الْمُعَارَضَةِ بِالْآيَةِ الْأُولَى أَنَّهَا إِنَّمَا تَتَنَاوَلُ مَا يَنْطِقُ بِهِ وَاجْتِهَادُهُ مِنْ فِعْلِهِ لَا مِنْ نُطْقِهِ، وَالْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي الِاجْتِهَادِ لَا فِي النُّطْقِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا اجْتَهَدَ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَنْطِقَ بِحُكْمِ اجْتِهَادِهِ وَالْإِخْبَارُ عَمَّا ظَنَّهُ مِنَ الْحُكْمِ، فَتَكُونُ الْآيَةُ مُتَنَاوِلَةً لَهُ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَا يَنْطِقُ بِهِ إِذَا كَانَ مُسْتَنَدُهُ الِاجْتِهَادَ فَلَيْسَ عَنْ وَحْيٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ هَوًى.

قُلْنَا: إِذَا كَانَ مُتَعَبَّدًا بِالِاجْتِهَادِ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ وَقِيلَ لَهُ: مَهْمَا ظَنَنْتَ بِاجْتِهَادِكَ حُكْمًا (?) ، فَهُوَ حُكْمُ الشَّرْعِ فَنُطْقُهُ بِذَلِكَ يَكُونُ عَنْ وَحْيٍ لَا عَنْ هَوًى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015