وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَالْمَصَالِحُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مُنْقَسِمَةٌ إِلَى مَا عُهِدَ مِنَ الشَّارِعِ اعْتِبَارُهَا، وَإِلَى مَا عُهِدَ مِنْهُ إِلْغَاؤُهَا. وَهَذَا الْقِسْمُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ ذَيْنِكَ الْقِسْمَيْنِ، وَلَيْسَ إِلْحَاقُهُ بِأَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ، فَامْتَنَعَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ دُونَ شَاهِدٍ بِالِاعْتِبَارِ، يُعْرَفُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُعْتَبَرِ دُونَ الْمُلْغَى.
فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ فَرْعُ تَصَوُّرِ وُجُودِ الْمُنَاسِبِ الْمُرْسَلِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ.
وَذَلِكَ لِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ ثَمَّ مَصَالِحَ مُعْتَبَرَةً فِي نَظَرِ الشَّارِعِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَأَيُّ وَصْفٍ قُدِّرَ مِنَ الْأَوْصَافِ الْمَصْلَحِيَّةِ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ مَا اعْتُبِرَ، وَكَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمُلَائِمِ الَّذِي أَثَّرَ جِنْسُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، وَقَدْ قُلْتُمْ بِهِ.
قُلْنَا: وَكَمَا أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْمَصَالِحِ الْمُعْتَبَرَةِ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْمَصَالِحِ الْمُلْغَاةِ، فَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ جِنْسِ مَا اعْتُبِرَ مِنَ الْمَصَالِحِ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُلْغًى ضَرُورَةَ كَوْنِهِ مِنْ جِنْسِ الْمَصَالِحِ الْمُلْغَاةِ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الْوَاحِدُ مُعْتَبَرًا مُلْغًى بِالنَّظَرِ إِلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مُحَالٌ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ كَوْنِهِ مُعْتَبَرًا بِالْجِنْسِ الْقَرِيبِ مِنْهُ ; لِنَأْمَنَ إِلْغَاءَهُ.
وَالْكَلَامُ فِيمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ.