ِّ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى
اتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمُجْتَهِدِينَ إِمَامًا كَانَ أَوْ حَاكِمًا أَوْ مُفْتِيًا.
وَاخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهِ حُجَّةً عَلَى التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ:
فَذَهَبَتِ الْأَشَاعِرَةُ، وَالْمُعْتَزِلَةُ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَالْكَرْخِيُّ: إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ.
وَذَهَبَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالرَّازِيُّ وَالْبَرْذَعِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةٍ لَهُ: إِلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْقِيَاسِ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ إِنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ فَهُوَ حُجَّةٌ وَإِلَّا فَلَا.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْحُجَّةَ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ دُونَ غَيْرِهِمَا.
وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا، وَقَدِ احْتَجَّ النَّافُونَ بِحُجَجٍ ضَعِيفَةٍ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا وَالْإِشَارَةِ إِلَى وَجْهِ ضَعْفِهَا قَبْلَ ذِكْرِ مَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي ذَلِكَ.
الْحُجَّةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} أَوْجَبَ الرَّدَّ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، فَالرَّدُّ إِلَى مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ يَكُونُ تَرْكًا لِلْوَاجِبِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ (?) ، فَالرَّدُّ إِلَى مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ لَا يَكُونُ تَرْكًا لِلْوَاجِبِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ وَلَكِنْ عِنْدَ إِمْكَانِ الرَّدِّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ مُبَيَّنًا فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ، وَأَمَّا بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ مُبَيَّنًا فِيهِمَا فَلَا.