نُوحًا بِالذِّكْرِ (?) مَعَ اشْتِرَاكِ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالتَّوْحِيدِ كَانَ تَشْرِيفًا لَهُ وَتَكْرِيمًا، كَمَا خَصَّصَ رُوحَ عِيسَى بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ وَالْمُؤْمِنِينَ بِلَفْظِ الْعِبَادِ. وَعَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} أَنَّ الْمُرَادَ بِلَفْظِ الْمِلَّةِ إِنَّمَا هُوَ أَصُولُ التَّوْحِيدِ وَإِجْلَالُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعِبَادَةِ دُونَ الْفُرُوعِ الشَّرْعِيَّةِ (?) وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ لَفْظَ الْمِلَّةِ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْفُرُوعِ الشَّرْعِيَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ: مِلَّةُ الشَّافِعِيِّ وَمِلَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَذْهَبَيْهِمَا فِي الْفُرُوعِ الشَّرْعِيَّةِ.

الثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ عَقِيبَ ذَلِكَ: {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ الدِّينِ، وَمُقَابِلُ الشِّرْكِ إِنَّمَا هُوَ التَّوْحِيدُ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَالَ: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الدِّينِ الْأَحْكَامَ الْفَرْعِيَّةَ لَكَانَ مَنْ خَالَفَهُ فِيهَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ سَفِيهًا (?) ، وَهُوَ مُحَالٌ.

الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الدِّينِ فُرُوعَ الشَّرِيعَةِ لَوَجَبَ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْبَحْثُ عَنْهَا لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهَا، وَذَلِكَ مَعَ انْدِرَاسِهَا مُمْتَنِعٌ. ثُمَّ وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِلَّةِ الْفُرُوعُ الشَّرْعِيَّةُ غَيْرَ أَنَّهُ إِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ اتِّبَاعُهَا بِمَا أُوحِيَ، وَلِهَذَا قَالَ: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} .

وَعَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ} الْآيَةَ، أَنَّ قَوْلَهُ: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} صِيغَةُ إِخْبَارٍ لَا صِيغَةُ أَمْرٍ، وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِهَا، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَمْرًا فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا هُوَ مُشْتَرَكُ الْوُجُوبِ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015