الْقِسْمُ الثَّانِي
فِيمَا ظُنَّ أَنَّهُ دَلِيلٌ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ النَّوْعُ الْأَوَّلُ - شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ.
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى
اخْتَلَفُوا فِي النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَ بَعْثَتِهِ، هَلْ كَانَ مُتَعَبِّدًا بِشَرْعِ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ نَفَى ذَلِكَ كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهُ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُثْبِتُونَ: فَمِنْهُمْ مَنْ نَسَبَهُ إِلَى شَرْعِ نُوحٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَسَبَهُ إِلَى شَرْعِ إِبْرَاهِيمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَسَبَهُ إِلَى مُوسَى، وَمِنْهُمْ مَنْ نَسَبَهُ إِلَى عِيسَى.
وَمِنَ الْأُصُولِيِّينَ مَنْ قَضَى بِالْجَوَازِ وَتَوَقَّفَ فِي الْوُقُوعِ كَالْغَزَالِيِّ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْمُحَقِّقِينَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
أَمَّا الْجَوَازُ فَثَابِتٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوِ امْتَنَعَ، إِمَّا أَنْ يَمْتَنِعَ لِذَاتِهِ أَوْ لِعَدَمِ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ، أَوْ لِمَعْنًى آخَرَ.
الْأَوَّلُ مُمْتَنِعٌ، فَإِنَّا لَوْ فَرَضْنَا وُقُوعَهُ؛ لَمْ يَلْزَمْ عَنْهُ لِذَاتِهِ فِي الْعَقْلِ مُحَالٌ. (?) .
وَالثَّانِي فَمَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ رِعَايَةِ الْمَصْلَحَةِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ أَبْطَلْنَاهُ فِي كُتُبِنَا الْكَلَامِيَّةِ، (?) وَبِتَقْدِيرِ رِعَايَةِ الْمَصْلَحَةِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى فَغَيْرُ بَعِيدٍ أَنْ يَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَصْلَحَةَ الشَّخْصِ قَبْلَ نُبُوَّتِهِ فِي تَكْلِيفِهِ بِشَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَهُ.
وَالثَّالِثُ: فَلَا بُدَّ مِنْ إِثْبَاتِهِ، إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُهُ.