وسنبين بعد انقضاء ذكر حجاجهم إن شاء الله تعالى فرق ما بين العلة والسبب والغرض ببيان جلي لا يحيل على من له أدنى فهم وبالله تعالى التوفيق واحتجوا أيضا بقوله تعالى {وعلى لذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن لبقر ولغنم حرمنا عليهم شحومهمآ إلا ما حملت ظهورهما أو لحوايآ أو ما ختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون} قال أبو محمد وهذا لا حجة لهم فيه بل هي حجة عليهم لأنه تعالى نص على أنه جزى أولئك ببغيهم بأنواع العذاب المعجل في الدنيا من السخف والصيحة وعذاب الظلة والرجم وغير ذلك فلو كان البغي علة في إيجاب الجزاء بذلك لكان ذلك واجبا أن يجزى به البغاة منا ومن غيرنا فلما رأينا كفار زماننا بغاة كأولئك وفينا نحن أيضا أهل بغي كبغي أولئك نفسه ففينا تطفيف الميزان وفينا فعل قوم لوط وفينا الكفر الصريح كما كان في أولئك في المؤمنين منا وفي الكافرين من الحربيين والكتابيين ولم نجاز ولا جوزوا بشيء بما جوزي به أولئك علمنا أن البغي ليس علة للجزاء بما جوزي به أولئك لأن العلة مطردة في معلوماتها أبدا لا تجوز أصلا وصح أن البغي من أولئك كان سببا لجزائهم بما جوزوا به وليس سببا في غيرهم لأن يجازوا بمثل ذلك فصح قولنا إن الأسباب لا يتعدى بها المواضع التي نص الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عليها ولا يوجب في كل مكان الحكم الذي وجب من أجلها في بعض الأمكنة وسقط قولهم

سقوطا لا إشكال فيه والحمد لله رب العالمين وهذا قد ظهر كما ترى في الأسباب الصحيحة فما الظن بالأسباب الكاذبة التي يدعونها في الأحكام ويضعونها وضعا مختلفا متخاذلا بلا برهان إلا المجاهرة بالقربة

وما لا يصح بوجه من الوجوه وبالله تعالى التوفيق واحتجوا أيضا بقول الله تعالى {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015