والمقصود باليد هنا القوة، وهذا لا يخالف فيه أحد من الأئمة بما فيهم أحمد بن حنبل الذي كان لا يرى الخروج بالسيف على أئمة المسلمين - على فرض أن النظام السوري له ولاية شرعية في نظر بعض المفتونين (?) - قال ابن رجب الحنبلي: (وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جِهَادِ الْأُمَرَاءِ بِالْيَدِ. وَقَدِ اسْتَنْكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، وَقَالَ: هُوَ خِلَافُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّغْيِيرَ بِالْيَدِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْقِتَالَ. وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، فَقَالَ: التَّغْيِيرُ بِالْيَدِ لَيْسَ بِالسَّيْفِ وَالسِّلَاحِ، وَحِينَئِذٍ فَجِهَادُ الْأُمَرَاءِ بِالْيَدِ أَنْ يُزِيلَ بِيَدِهِ مَا فَعَلُوهُ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ، مِثْلُ أَنْ يُرِيقَ خُمُورَهُمْ أَوْ يَكْسِرَ آلَاتِ الْمَلَاهِي الَّتِي لَهُمْ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، أَوْ يُبْطِلَ بِيَدِهِ مَا أَمَرُوا بِهِ مِنَ الظُّلْمِ إِنْ كَانَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَكُلُّ هَذَا جَائِزٌ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ قِتَالِهِمْ، وَلَا مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمِ الَّذِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ، فَإِنَّ هَذَا أَكْثَرُ مَا يُخْشَى مِنْهُ أَنْ يُقْتَلَ الْآمِرُ وَحْدَهُ."). (?)
وقد قال إمام الحرمين الجويني الشافعي عن الإمام الجائر: (فَأَمَّا إِذَا تَوَاصَلَ مِنْهُ الْعِصْيَانُ، وَفَشَا مِنْهُ الْعُدْوَانُ، وَظَهَرَ الْفَسَادُ، وَزَالَ السَّدَادُ، وَتَعَطَّلَتِ الْحُقُوقُ وَالْحُدُودُ، وَارْتَفَعَتِ الصِّيَانَةُ، وَوَضَحَتِ الْخِيَانَةُ، وَاسْتَجْرَأَ الظَّلَمَةُ، وَلَمْ يَجِدِ الْمَظْلُومُ مُنْتَصِفًا مِمَّنْ ظَلَمَهُ، وَتَدَاعَى الْخَلَلُ وَالْخَطَلُ إِلَى عَظَائِمِ الْأُمُورِ، وَتَعْطِيلِ الثُّغُورِ، فَلَا بُدَّ مِنِ اسْتِدْرَاكِ هَذَا الْأَمْرِ الْمُتَفَاقِمِ عَلَى مَا سَنُقَرِّرُ الْقَوْلَ فِيهِ عَلَى الْفَاهِمِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - وَذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَةَ إِنَّمَا تُعْنَى لِنَقِيضِ هَذِهِ الْحَالَةِ.
فَإِذَا أَفْضَى الْأَمْرُ إِلَى خِلَافِ مَا تَقْتَضِيهِ الزَّعَامَةُ وَالْإِيَالَةُ، فَيَجِبُ اسْتِدْرَاكُهُ لَا مَحَالَةَ، وَتَرْكُ النَّاسِ سُدًى، مُلْتَطِمِينَ لَا جَامِعَ لَهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ أَجْدَى عَلَيْهِمْ مِنْ تَقْرِيرِهِمْ عَلَى اتِّبَاعِ مَنْ هُوَ عَوْنُ الظَّالِمِينَ، وَمَلَاذُ الْغَاشِمِينَ، وَمَوْئِلُ الْهَاجِمِينَ، وَمُعْتَصَمُ الْمَارِقِينَ النَّاجِمِينَ، وَإِذَا دُفِعَ الْخَلْقُ إِلَى ذَلِكَ، فَقَدِ اعْتَاصَتِ الْمَسَالِكُ، وَأَعْضَلَتِ الْمَدَارِكُ، فَلْيَتَّئِدِ النَّاظِرُ هُنَالِكَ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّ الْأَمْرَ إِذَا اسْتَمَرَّ عَلَى الْخَبَالِ، وَالْخَبْطِ وَالِاخْتِلَالِ، كَانَ ذَلِكَ لِصِفَةٍ