فيشهدون. وتكون شهادتهم هي هذا الجهاد حتى الموت. وهي شهادة لا تقبل الجدال والمحال! وكل من ينطق بالشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. لا يقال له إنه شهد، إلا أن يؤدي مدلول هذه الشهادة ومقتضاها. ومدلولها هو ألا يتخذ إلا الله إليها. ومن ثم لا يتلقى الشريعة إلا من الله. فأخص خصائص الألوهية التشريع للعباد وأخص خصائص العبودية التلقي من الله .. ومدلولها كذلك ألا يتلقى من الله إلا عن محمد بما أنه رسول الله. ولا يعتمد مصدرا آخر للتلقي إلا هذا المصدر .. ومقتضى هذه الشهادة أن يجاهد إذن لتصبح الألوهية لله وحده في الأرض، كما بلغها محمد - صلى الله عليه وسلم - فيصبح المنهج الذي أراده الله للناس، والذي بلغه عنه محمد - صلى الله عليه وسلم - هو المنهج السائد والغالب والمطاع، وهو النظام الذي يصرّف حياة الناس كلها بلا استثناء. فإذا اقتضى هذا الأمر أن يموت في سبيله، فهو إذن شهيد. أي شاهد طلب الله إليه أداء هذه الشهادة فأداها. واتخذه الله شهيدا .. ورزقه هذا المقام. هذا فقه ذلك التعبير العجيب: «وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ .. ».
وهو مدلول شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ومقتضاه .. لا ما انتهى إليه مدلول هذه الشهادة من الرخص والتفاهة والضياع! «وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» ..
والظلم كثيرا ما يذكر في القرآن ويراد به الشرك. بوصفه أظلم الظلم وأقبحه. وفي القرآن: «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ» .. وفي الصحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلْتُ - أَوْ سُئِلَ - رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أَكْبَرُ، قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ» قَالَ: وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ} [الفرقان:68] (?) ...
وقد أشار السياق من قبل إلى سنة الله في المكذبين فالآن يقرر أن الله لا يحب الظالمين. فهو توكيد في صورة أخرى لحقيقة ما ينتظر المكذبين الظالمين الذين لا يحبهم الله. والتعبير بأن الله لا يحب الظالمين، يثير في نفس المؤمن بغض الظلم وبغض الظالمين. وهذه الإثارة في