المبحث الثاني والأربعون
أهمية الكلمة في مواجهة الطغيان (?)
قد يتساءل البعض منا عن قيمة الكلمة في مواجهة أمواج الطغيان المتلاطمة على صخرة الإسلام اليوم؟
وقد يقول البعض الآخر: ما قيمة الكلمة وجراحات الأمة تثعب دماً، وما فائدة الكلمة ورصيد جراحات الأمة بازدياد، وسجل انتهاك العدو لها في تطاول؟
فبدايةً نقول:
إن جراحات الأمة وكلومها بل إن قتلاها وشهداءها ودماءها ليست أموراً مرادةً لذاتها، وإنما هي وسائل تعبير عن سمو الهدف ونُبل الغاية، إنها ترجمةٌ لحقائق إيمانية تصدر عن نبع الحق، وحكايةٌ عن أروع نماذج العبودية لله عز وجل، وتعابير عن إفناء الأجساد في خضم رحلة السمو بالروح.
إن عروق هذه الأمة التي تثجُّ بدماء التضحية والاستشهاد، وأشلاءها المبعثرة على وجه البسيطة في كل مكان، إنما تصدر عن قلبٍ نبضه لا إله إلا الله وعن أمةٍ لسانها لا إله إلا الله، وجوارحها تختلج بلا إله إلا الله، إنها أمةٌ عنوانها كما ترى كلمةُ لا إله إلا الله، ومن هنا تنطلق أهمية الكلمة.
إن استطالة الأعداء على ديار الإسلام وانتهاكهم لحرمات الإسلام حقيقةٌ لا ينكرها إلا غافل جاهل أو عميلٌ متواطئ مخذِّل، وليس الأول بأقل خطراً من الثاني، ولهذا كان لا بد من الكلمة؛ الكلمة التي تنبه الغافل وتعلِّم الجاهل، الكلمة التي تفضح المنافق وتُشهِّر بالمخذِّل المتخاذل، الكلمة التي تستنهض الأمة لإعلان النفير فتشن الغارة على عدو الداخل بنفس الشدة التي تشنها على عدو الخارج، الكلمة التي تعلن هوية الصراع وتجلّي الراية، وتدك أرجاء الكون بلا إله إلا الله، وهل يكون هذا الاستنهاض إلا بالكلمة، قال تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر:94].