ولهذا ورد عن الأئمة، الإرشاد إليه في إنكار المنكر، كما روى الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حَرْبٍ، حَدَّثَهُمْ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الرَّجُلِ، يَسْمَعُ الْمُنْكَرَ فِي دَارِ بَعْضِ جِيرَانِهِ؟ قَالَ: يَأْمُرُهُ، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ؟ قَالَ: «تَجْمَعُ عَلَيْهِ الْجِيرَانَ، وَتُهَوِّلُ عَلَيْهِ» (?)

وقوله تجمع عليه الجيران، وتهوّل عليه أي ليكون ذلك أردع، عندما يرى تظاهر الجيران كلُِّهم في الإنكار.

وهذا مثال آخر أيضا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَشْكُو جَارَهُ، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَاصْبِرْ» فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ» فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ: فَعَلَ اللَّهُ بِهِ، وَفَعَلَ، وَفَعَلَ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ لَا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ " (?)

فهذا قد حرض عليه جمهور الناس ليلعنوه حتى يرتدع عن أذاه لجاره، وكانت وسيلة فعالة جدا في ردعه عن الأذى ...

ولهذا جاء في شريعتنا في مواضع كثيرة في إظهار الاحتشاد في المجامع العامة، كالجمع في الجوامع الكبيرة، والأعياد في المصلّيات في الفضاء، ويسار إليها مشيا، لرفع راية الدين، وإغاضة أعدائه، كما أراد النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يملأ قلب أبي سفيان رهبة من أمر الإسلام فأمر العبّاس أن يريه الكتائب المحمدية في فتح مكة، وهي تسير محتشدة في مواكبها المهيبة، لتحقيق بعض مصالح الشريعة في ذلك اليوم العظيم.

قَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ هَذَا الْفَخْرَ فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا، قَالَ: «نَعَمْ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ»،فَلَمَّا ذَهَبْتُ لِأَنْصَرِفَ قَالَ يَا عَبَّاسُ احْبِسْهُ بِمَضِيقِ الْوَادِي عِنْدَ حَطِيمِ الْجُنْدِ حَتَّى يَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللهِ فَيَرَاهَا، قَالَ: فَحَبَسْتُهُ حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: وَمَرَّتْ بِهِ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا بِهَا فَكُلَّمَا مَرَّتْ قَبِيلَةٌ قَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قُلْتُ: بَنُو سُلَيْمٍ قَالَ: يَقُولُ: مَا لِي وَلِبَنِي سُلَيْمٍ ثُمَّ تَمُرُّ بِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015