المبحث الثامن والثلاثين ما هي حقيقة الاستخلاف في الأرض؟

المبحث الثامن والثلاثين

ما هي حقيقة الاستخلاف في الأرض؟

إنها ليست مجرد الملك والقهر والغلبة والحكم .. إنما هي هذا كله على شرط استخدامه في الإصلاح والتعمير والبناء وتحقيق المنهج الذي رسمه الله للبشرية كي تسير عليه وتصل عن طريقه إلى مستوى الكمال المقدر لها في الأرض، اللائق بخليقة أكرمها الله.

إن الاستخلاف في الأرض قدرة على العمارة والإصلاح، لا على الهدم والإفساد. وقدرة على تحقيق العدل والطمأنينة، لا على الظلم والقهر. وقدرة على الارتفاع بالنفس البشرية والنظام البشري، لا على الانحدار بالفرد والجماعة إلى مدارج الحيوان! وهذا الاستخلاف هو الذي وعده الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات .. وعدهم الله أن يستخلفهم في الأرض - كما استخلف المؤمنين الصالحين قبلهم - ليحققوا النهج الذي أراده الله ويقرروا العدل الذي أراده الله ويسيروا بالبشرية خطوات في طريق الكمال المقدر لها يوم أنشأها الله .. فأما الذين يملكون فيفسدون في الأرض، وينشرون فيها البغي والجور، وينحدرون بها إلى مدارج الحيوان .. فهؤلاء ليسوا مستخلفين في الأرض. إنما هم مبتلون بما هم فيه، أو مبتلى بهم غيرهم، ممن يسلطون عليهم لحكمة يقدرها الله آية هذا الفهم لحقيقة الاستخلاف قوله تعالى بعده: «وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ» .. وتمكين الدين يتم بتمكينه في القلوب، كما يتم بتمكينه في تصريف الحياة وتدبيرها. فقد وعدهم الله إذن أن يستخلفهم في الأرض، وأن يجعل دينهم الذي ارتضى لهم هو الذي يهيمن على الأرض. ودينهم يأمر بالإصلاح، ويأمر بالعدل، ويأمر بالاستعلاء على شهوات الأرض. ويأمر بعمارة هذه الأرض، والانتفاع بكل ما أودعها الله من ثروة، ومن رصيد، ومن طاقة، مع التوجه بكل نشاط فيها إلى الله.

«وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً» .. ولقد كانوا خائفين، لا يأمنون، ولا يضعون سلاحهم أبدا حتى بعد هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى قاعدة الإسلام الأولى بالمدينة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015