قال صاحب البدائع:" وَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَتَمَيَّزَ نِسَاؤُهُمْ عَنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي حَالِ الْمَشْيِ فِي الطَّرِيقِ، وَيَجِبُ التَّمْيِيزُ فِي الْحَمَّامَاتِ فِي الْأُزُرِ، فَيُخَالِفُ أُزُرُهُمْ أُزُرَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا يَجِبُ أَنْ تُمَيَّزَ الدُّورُ بِعَلَامَاتٍ تُعْرَفُ بِهَا دُورُهُمْ مِنْ دُورِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِيَعْرِفَ السَّائِلُ الْمُسْلِمُ أَنَّهَا دُورُ الْكَفَرَةِ، فَلَا يَدْعُو لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ، وَيُتْرَكُونَ أَنْ يَسْكُنُوا فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ شُرِعَ لِيَكُونَ وَسِيلَةً لَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، وَتَمْكِينُهُمْ مِنْ الْمُقَامِ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ أَبْلَغُ إلَى هَذَا الْمَقْصُودِ.
وَفِيهِ أَيْضًا مَنْفَعَةُ الْمُسْلِمِينَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَيُمَكَّنُونَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ بَيْعِ الْخُمُورِ وَالْخَنَازِيرِ فِيهَا ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ثَابِتَةٌ فِي حَقِّهِمْ كَمَا هِيَ ثَابِتَةٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْحُرُمَاتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، فَكَانَ إظْهَارُ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ مِنْهُمْ إظْهَارًا لِلْفِسْقِ فَيُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ." (?)
وتسمى أيضاً بحرية التفكير والتعبير، وقد رغب الإسلام في التفكير والنظر الطليق والتأمل في أسرار الكون للتوصل بالعقل والمنطق إلى إثبات الصانع وإثبات النبوة وفهم ما جاء به الأنبياء والرسل والإفادة من كنوز الأرض، وجعل التفكير فريضة إسلامية، والآيات القرآنية المطالبة باستخدام الفكر كثيرة، منها قوله سبحانه: {قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (يونس:101).وتختتم آيات كثيرة بعد بيان النظم الإسلامية في العقيدة وغيرها بأنها لقوم يعلمون، يعقلون، يتفكرون، يتدبرون، لأولي الألباب، ونحوها.
ومن أجل تثبيت الدعوة إلى الفكر وإقرار أحكام العقل السديد، ندَّد الله سبحانه بالتقليد في أصول العقائد والشرائع لتكون العقيدة عن وعي وإدراك وإذعان، فقال سبحانه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} (البقرة:170).وقال أيضا: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ