فالواجب النظر إلى الفعل نفسه هل هو مشرع في حد ذاته أم غير مشروع، ولا شك بأن دفع الظلم بكل صوره مما أمر الله عز وجل وأذن به كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)} [الشورى:39 - 42].

وجاء في الصحيح عنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:" أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ، وَعِيَادَةِ المَرِيضِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَنَصْرِ المَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ القَسَمِ، وَرَدِّ السَّلاَمِ، وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ .. " (?)

فدفع الظلم عن النفس وعن الغير لا يخرج عن كونه واجبا أو مستحبا أو مباحا بحسب نوع الظلم وحجم ضرره على النفس، ولهذا تواتر تواترا معنويا حديث عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَالِهِ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَاتَلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَاتَلَ دُونَ أَهْلِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ» (?)

والمال والحق والعرض والدم كلها أمور دنيوية ومع ذلك هي من الضرورات الخمس التي جاء الشريعة لحفظها ورعايتها، فمن قاتل دونها فقد فعل ما وجب عليه، أو ما استحب له بلا خلاف، ولا يحرم عليه الدفاع عن حقه بدعوى أنه يقاتل للدنيا لا للدين، فهذا من الباطل الذي لا يشك عاقل فضلا عن عالم ببطلانه، وقد فصلت القول في ذلك في مقال (أحكام الشهداء)،ومقال (شهداء الثورة العربية بين جرائم الطغاة وفتنة الدعاة) (?) ..

ولا يشترط لدفع الظلم عن النفس وعن الغير استحضار النية، إذ ليس هو من العبادات التي يشترط لها النية لتمييزها عن العادات، ولا لاستحضار معنى العبودية الخالصة لله أثناء أدائها، بل المطلوب هنا دفع الضرر عن النفس وهو أمر جبلي غريزي، فمجرد القيام بدفع الظلم وإزالة الضرر يتحقق المقصود شرعا، فإن قتل المظلوم حينها فهو شهيد - كما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015