فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء:16]،وأول ما يصيب الصالحين من شؤم الركون إلى الظالمين مخالطتهم لهم، فيهون في نظرهم ما هم فيه أو عليه من الفساد أو الطغيان أو الترف، فيطمس الله على قلوبهم، فتستحسن القبيح، وتستقبح الحسن، وتشمئز ممن يأمرهم بمعروف، أو ينهاهم عن منكر!

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَنِ اقْلِبْ مَدِينَةَ كَذَا وَكَذَا عَلَى أَهْلِهَا قَالَ: فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ فِيهَا عَبْدَكَ لَمْ يَعْصِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَقَالَ: اقْلِبْهَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، فَإِنَّ وَجْهَهُ لَمْ يَتَمَعَّرْ فِيَّ سَاعَةً قَطُّ" (?)

ولهذا كان الإصلاح والاستقامة تتنافى مع الظلم والإفساد في الأرض {إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81]، {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف:142]، {وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)} [الشعراء:151،152] ..

فالاستقامة هي السير على الهدى، والثبات على الحق، والصبر عليه، وعدم الطغيان في حال القوة، وعدم تجاوز العدل والقسط، وعدم الميل عنه أو الركون للظالمين في حال الضعف، مهما اشتدت الملمات، أو تراكمت المدلهمات، أو تعاظمت الشهوات، فإن المصلحين يرضيهم في هذه الحياة أن تتحقق لهم السعادة والحياة الطيبة التي يجدونها بالإيمان وصلاح نفوسهم ورضاهم عن ذواتهم، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] في الدنيا والآخرة، والحياة الطيبة الراضية هو ما يجده الصالحون من رضا نفوسهم، وسعادة أرواحهم، وطيب عيشهم، وهذا يغنيهم عن متاع الدنيا وغرورها، وأكدارها وأوزارها!

وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن حقيقة الغنى فقال - كما في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَيْسَ الغِنَى عَنْ كَثْرَةِ العَرَضِ، وَلَكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ» (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015