وأمضى الجيش إلى وجهته للشام، وترك المدينة بلا حماية، إيمانا منه بأن أمر رسول الله نافذ على الجميع في حياته وبعد موته - صلى الله عليه وسلم -،وأن طاعته هي سبب النصر والتوفيق والهداية {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور:54]!
وعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَلَى جَيْشٍ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالزُّبَيْرُ، فَقُبِضَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -،قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ ذَلِكَ الْجَيْشُ، فَقَالَ أُسَامَةُ لِأَبِي بَكْرٍ حِينَ بُويِعَ لَهُ - وَلَمْ يَبْرَحْ أُسَامَةُ حَتَّى بُويِعَ لِأَبِي بَكْرٍ فَقَامَ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَجَّهَنِي لِمَا وَجَّهَنِي لَهُ، وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَرْتَدَّ الْعَرَبُ، فَإِنْ شِئْتَ كُنْتُ قَرِيبًا مِنْكَ حَتَّى تَنْظُرَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: «مَا كُنْتُ لَأَرُدَّ أَمْرًا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -،وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لِعُمَرَ فَافْعَلْ» فَأَذِنَ لَهُ، فَانْطَلَقَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حَتَّى أَتَى الْمَكَانَ الَّذِي أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: فَأَخَذَتْهُمُ الضَّبَابَةُ، حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَا يَكَادُ يُبْصِرُ صَاحِبَهُ قَالَ: فَوَجَدُوا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ قَالَ: فَأَخَذُوهُ يَدُلُّهُمُ الطَّرِيقَ حَيْثُ أَرَادُوا، وَأَغَارُوا عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُمِرُوا قَالَ: فَسَمِعَ بِذَلِكَ النَّاسُ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ لِبَعْضٍ: تَزْعُمُونَ أَنَّ الْعَرَبَ قَدِ اخْتَلَفَتْ، وَخَيْلُهُمْ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: فَرَدَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذَلِكَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ يُدْعَى بِالْإِمَارَةِ حَتَّى مَاتَ، يَقُولُونَ: بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَنْزِعْهُ حَتَّى مَاتَ" (?)
فكانت طاعته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته، كما هي في حياته، إنها تسليم مطلق، وانقياد تام، فهو النبي والإمام والقائد العام، حيا وميتا - صلى الله عليه وسلم -!
ثم كان الموقف التاريخي الآخر للصديق حين رجع العرب إلى الإسلام، بعد حرب داخلية استمرت سنة كاملة، جيّش لها الصديق أحد عشر جيشا لمواجهة الردة وأهلها، وأخذ يشاور الصحابة في جهاد هرقل الروم أو كسرى الفرس وبأيهما يبدأ، وكان كلا الفريقين يتربص بالمسلمين ودولتهم الفتية الدوائر، فقال بعضهم دع الناس حتى يستجموا ويستعيدوا عافيتهم بعد حروب الردة، وقال آخرون بل نبدأ بالفرس، وقال بعضهم بل نبدأ