ثم كانت أول قضية واجهها الصديق بصديقيته وإيمانه المطلق قضية أهل الردة، فقد اضطرب الصحابة في حكم من بقوا منهم على إسلامهم ومنعوا أداء الزكاة للدولة والخليفة بعد رسول الله فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرَبِ، قَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ؟ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:" أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ، إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ "،فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: «فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَقُّ» (?)
إنه التسليم من عمر لا عن تقليد لأبي بكر، بل عن اعتراف له بالصديقية التي ثبتت له بنص القرآن وبشهادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له، وبالأمر النبوي بلزوم هدي أبي بكر، فكان عمر مع رفضه لقتال مانعي الزكاة ومجادلته أبا بكر فيهم، أول من رجع عن رأيه لرأي أبي بكر، حتى أجمع الصحابة على قتالهم، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: لَمَّا جَمَعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَهْلَ الرِّدَّةِ قَالَ: «اخْتَارُوا مِنِّي حَرْبًا مُجْلِيَةً أَوْ سِلْمًا مُخْزِيَةً» قَالُوا: أَمَّا الْحَرْبُ الْمُجْلِيَةُ فَقَدْ عَرَفْنَاهَا فَمَا السِّلْمُ الْمُخْزِيَةُ، قَالَ: «تَدُونَ قَتْلَانَا وَلَا نَدِي قَتْلَاكُمْ» فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: قَتْلَانَا قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يُودَوْنَ، وَنَنْزِعُ عَنْكُمُ الْحَلْقَةَ وَالْكُرَاعَ، يَعْنِي السِّلَاحَ وَالْخَيْلَ، قَالَ ابْنُ مَاهَانَ قَالَ: وَتَلْزَمُونَ أَذْنَابَ الْإِبِلِ حَتَّى يُرِيَ اللَّهُ خَلِيفَةَ رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ مَا شَاءَ " (?)
وعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: لَمَّا ارْتَدَّ مَنِ ارْتَدَّ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، أَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُجَاهِدَهُمْ، فَقَالَ عُمَرُ: أَتُقَاتِلُهُمْ وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،يَقُولُ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَرُمَ مَالُهُ إِلاَّ بِحَقٍّ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ تَعَالَى؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَّى لاَ أَقَاتِلُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، وَاللَّهِ لأَقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا حَتَّى