المبحث التاسع عشر
التنظيم الراشدي وشروط النصر
إذا كان من شرط استعادة الخلافة الراشدة قيام حكومات راشدة، تحمل على عاتقها تحقيق هذا المهمة التاريخية على مستوى الأمة، فإن إقامة حكومات راشدة في كل قطر يشترط أن يسبقه وجود تنظيمات سياسية راشدة، تسعى لتحقيق هذه المهمة في كل بلد إسلامي، وهو ما يقتضي أن يتنادى المصلحون الراشدون إليها، وأن يتداعوا عليها، ليكملوا النقص، ويسدوا الخلل، ويتداركوا ما فات الحركات الإصلاحية الأخرى، على أساس التكامل والتعاون معها في تحقيق مشروع نهضة الأمة.
وهنا لا بد أن يتوفر لهذه التنظيمات السياسية الراشدة شروط ومواصفات في قياداتها وأنصارها وأحزابها ومشروعها السياسي لتحقيق النصر المنشود.
وقد صف القرآن الجيل الأول من الصحابة رضي الله عنهم بالرشد، فقال تعالى عنهم: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات:7]،وجعل الرشد غاية الإيمان وثمرة الاستجابة فقال تعالى: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]،وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من جاء بعدهم بلزوم هديهم ليرشدوا مثلهم، فقال كما في الحديث الصحيح «إِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ يَرْشُدُوا» (?)
وعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» (?)
وعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيُِ، وَحُجْرِ بْنِ حُجْرٍ، قَالَا: أَتَيْنَا الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ، وَهُوَ مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة:92] فَسَلَّمْنَا، وَقُلْنَا: أَتَيْنَاكَ زَائِرِينَ وَعَائِدِينَ وَمُقْتَبِسِينَ، فَقَالَ الْعِرْبَاضُ: صَلَّى بِنَا