الفرد، دون أي قيود نفرضها عليه الأكثرية، حتى قيل بأن دكتاتورية الجماعة أشد خطرا من دكتاتورية الفرد!
وما زالت أوربا إلى اليوم تتأرجح بين حكم الشعب واحترام إرادة الأكثرية كما تقتضيه الديمقراطية، ومحاولة احترام حرية الفرد وخصوصيتها كما تقتضيه الليبرالية، ولهذا تم مصادرة حق الطالبة المسلمة في ارتداء حجابها في فرنسا وبقرار من الأكثرية في البرلمان، دون احترام لليبرالية التي تحمي خصوصية الفرد الشخصية، فضلا عن حريته الدينية!
كما تم محاكمة روجيه جارودي وغيره من مفكري أوربا في باريس ولندن، لكونهم أثاروا الشك في الأرقام المبالغ فيها عن محارق اليهود في عصر هتلر، وخالفوا قوانين منع العداء للسامية، ولم تشفع حرية الرأي وحرية البحث العلمي، لهؤلاء المؤرخين والمفكرين في بلدان الحرية والليبرالية، من تطبيق القوانين التي تسنها الأكثرية في البرلمان!
إنها الأزمة الأشد تعقيدا في حل الجدلية بين حرية الفرد وحقوقه، وحرية الجماعة وحقوقها، وأيهما يقدم على الآخر عند التعارض، فكلما كان النظام أكثر ليبرالية كان أشد حماية ونزوعا لتعزيز حرية الفرد وحقوقه، وكلما كان ديمقراطيا كان أشد نزوعا لاحترام إرادة الأكثرية، ولا يمكن أن يكون النظام السياسي ديمقراطيا ليبراليا في آن واحد، إلا عند من لا يعرف الديمقراطية، ولا يعرف الليبرالية!
فإذا ما تم إضافة الإشكالات الأخرى ازداد الأمر تعقيدا، كتحديد طبيعة النظام السياسي الديمقراطي، وهل الملكية الدستورية في بريطانيا والنرويج وهولندا وأسبانيا وغيرها من الملكيات في أوربا تمثل أنظمة حكم ديمقراطية؟ حيث لا دستور في بريطانيا، وحيث تملك الملكة دون وجه حق أرض إنجلترا وتوابعها، وتمتاز الأسرة الملكية وأفرادها بحقوق مالية وأدبية وامتيازات دون وجه حق بما لا يتمتع به غيرهم من أفراد الشعب البريطاني، وهو ما يتصادم مع مبدأ العدل والمساواة بين أفراد الشعب!
ولماذا يكون ملك بريطانيا وحسب النظام السياسي فيها هو حامي وراعي الكنيسة البروتستانتية؟ وأين هي القيم الليبرالية التي تساوي بين جميع الأديان والمذاهب لكونها كلها تدخل في إطار الحرية الدينية للأفراد؟!