وَيَقْبِضُ الشِّرْكَ وَأَهْلَهُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ بين النُّطْفَتَيْنِ لا يَخْشَى إِلا جَوْرًا يَعْنِي جَوْرَ السُّلْطَانِ .. " (?)
كنت أظن - وأكذب الحديث الظن - أن الخلاف في حكم قتلى الثورة العربية هو فقط في هل هم شهداء لهم أحكام الشهداء في الدنيا والآخرة؟ أم شهداء في حكم الآخرة فقط؟ أم ليسوا شهداء وإنما هم كسائر أموات المسلمين؟
ولم أتصور أن يصل الخلاف فيهم إلى ما هو أبعد من ذلك كأن يدعي أحد بأنهم خوارج وحرورية! وأن يدعي أحد أن ابن علي في تونس وبشار في سوريا والقذافي في ليبيا وحسني في مصر وعلي صالح في اليمن وأشباههم ولاة أمر تجب طاعتهم، وأن طاعتهم من طاعة الله ورسوله، ومن خرج عليهم ولو بشكل سلمي فيجب قتله وسفك دمه؟! ومن مات منهم مات ميتة جاهلية!
وحين يصل الخلاف إلى هذا الحد، وإلى حد تصور أن هؤلاء ولاة أمر شرعيون، وأن طاعتهم من طاعة الله ورسوله، وأنهم يدخلون في عموم قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء:59]،وليس في عموم قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51]،ولا في عموم {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء:60]!.
وحين تنزّل فيهم وعليهم نصوص السمع والطاعة، والصبر على جور أئمة المسلمين، فإن الموضوع حينئذ يخرج بنا عن مسألة القتلى وحكمهم، إلى مسألة أخرى أشد خطرا في الدين والاعتقاد تتمثل في: ما هو الإسلام الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -؟ وما حقيقة التوحيد الذي