ذَكَرَ الَأُجْهُورِيُّ قَالَ فِي الْعَارِضَةِ: مَنْ غَرِقَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَعَلَيْهِ إثْمُ مَعْصِيَتِهِ وَكُلُّ مَنْ مَاتَ بِسَبَبِ مَعْصِيَةٍ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ، وَإِنْ مَاتَ فِي مَعْصِيَةٍ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الشَّهَادَةِ فَلَهُ أَجْرُ شَهَادَتِهِ وَعَلَيْهِ إثْمُ مَعْصِيَتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَاتَلَ عَلَى فَرَسٍ مَغْصُوبٍ، أَوْ كَانَ قَوْمٌ فِي مَعْصِيَةٍ فَوَقَعَ عَلَيْهِمْ الْبَيْتُ فَلَهُمْ الشَّهَادَةُ، وَعَلَيْهِمْ إثْمُ الْمَعْصِيَةِ انْتَهَى.

ثُمَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ شَرِقَ بِالْخَمْرِ فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيدٌ لِأَنَّهُ مَاتَ فِي مَعْصِيَةٍ لَا بِسَبَبِهَا ثُمَّ نَظَرَ فِيهِ لِأَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبِهَا لِأَنَّ الشَّرْقَةَ بِالْخَمْرِ مَعْصِيَةٌ لِأَنَّهَا شُرْبٌ خَاصٌّ. قَالَ: وَيُتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِيمَنْ مَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ مِنْ الزِّنَا فِي أَنَّ سَبَبَ السَّبَبِ هَلْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ السَّبَبِ فَلَا تَكُونُ شَهِيدَةً أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. اهـ. وَجَزَمَ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ بِالثَّانِي، وَقَالَ: أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ لِمَعْصِيَةٍ أَوْ سَافَرَ آبِقًا أَوْ نَاشِزَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا رَكِبَ الْبَحْرَ فِي وَقْتٍ لَا تَسِيرُ فِيهِ السُّفُنُ أَوْ تَسَبَّبَتْ امْرَأَةٌ فِي إلْقَاءِ حَمْلِهَا لِلْعِصْيَانِ بِالسَّبَبِ اهـ مُلَخَّصًا.

قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ تَقْيِيدُ رُكُوبِ الْبَحْرِ أَوْ السَّفَرِ بِمَا إذَا كَانَ لِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَإِلَّا كَانَ مَعْصِيَةً لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْمَعْصِيَةِ، فَهُوَ كَمَنْ قَاتَلَ عَصَبِيَّةً. فَجُرِحَ ثُمَّ مَاتَ، فَالْمُنَاسِبُ مَا نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ تَقْيِيدِ السَّفَرِ بِالْإِبَاحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) (?).

ولا يقتضي الحكم لمن سبق بالشهادة الدنيوية والأخروية القطع لهم بالجنة والشهادة لهم بها، إذ لا يعلم نياتهم وقبول أعمالهم إلا الله، قال الحافظ ابن حجر:" قَوله:"بابُ لا يُقالُ فُلانُ شَهِيدٌ" أَي عَلَى سَبِيلِ القَطعِ بِذَلِكَ إِلاَّ إِن كانَ بِالوحي .....

وعَلَى هَذا فالمُراد النَّهي عَن تَعيِينِ وصفٍ واحِدٍ بِعَينِهِ بِأَنَّهُ شَهِيد بَل يَجُوزُ أَن يُقالَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الإِجمالِ.

وإِن كانَ مَعَ ذَلِكَ يُعطَى حُكمَ الشُّهَداءِ فِي الأَحكامِ الظّاهِرَةِ ولِذَلِكَ أَطبَقَ السَّلَف عَلَى تَسمِيَةِ المَقتُولِينَ فِي بَدرٍ وأُحُد وغَيرِهِما شُهَداء.

والمُراد بِذَلِكَ الحُكمُ الظّاهِر المَبنِيّ عَلَى الظَّنِّ الغالِبِ واللَّهُ أَعلَمُ" (?) ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015