المَدِينَةِ فَسَأَلْنَاهُمْ، فَقَالُوا:" قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -،وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، وَالنَّاسُ صَالِحُونَ، فَقَالاَ: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ أَنَّا قَدْ جِئْنَا وَلَعَلَّنَا سَنَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَرَجَعَا إِلَى اليَمَنِ، فَأَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرٍ بِحَدِيثِهِمْ، قَالَ: أَفَلاَ جِئْتَ بِهِمْ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالَ لِي ذُو عَمْرٍو: يَا جَرِيرُ إِنَّ بِكَ عَلَيَّ كَرَامَةً، وَإِنِّي مُخْبِرُكَ خَبَرًا: إِنَّكُمْ مَعْشَرَ العَرَبِ، لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا كُنْتُمْ إِذَا هَلَكَ أَمِيرٌ تَأَمَّرْتُمْ فِي آخَرَ، فَإِذَا كَانَتْ بِالسَّيْفِ كَانُوا مُلُوكًا، يَغْضَبُونَ غَضَبَ المُلُوكِ وَيَرْضَوْنَ رِضَا المُلُوكِ " (?)
ومعنى ما قال: أي لايزال أمركم بخير ما دمتم تنصبون عليكم أمراءكم بالشورى.
قال الإمام الفخر الرازي " فَيَا أَيُّهَا الملوك لا تغتروا بما لكم مِنَ الْمَالِ وَالْمُلْكِ فَإِنَّكُمْ أُسَرَاءُ فِي قَبْضَةِ قُدْرَةِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وَيَا أَيُّهَا الرَّعِيَّةُ إِذَا كُنْتُمْ تَخَافُونَ سِيَاسَةَ الْمَلِكِ أَفَمَا تَخَافُونَ سِيَاسَةَ مَلِكِ الْمُلُوكِ الَّذِي هُوَ مَالِكُ يَوْمِ الدين." (?)
وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزُّ: «الْعَقْلُ كَشَجَرَةٍ، أَصْلُهَا غَرِيزَةٌ، وَفَرْعُهَا تَجْرِبَةٌ، وَثَمَرُهَا حَمْدُ الْعَاقِبَةِ، وَالِاخْتِيَارُ يَدُلُّ عَلَى الْعَقْلِ، كَمَا يَدُلُّ تَوْرِيقُ الشَّجَرَةِ عَلَى حُسْنِهَا، وَمَا أَبْيَنَ وُجُوهُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فِي مَرْآةِ الْعَقْلِ، إِنْ لَمْ يَصُدَّهَا الْهَوَى» (?)
وقال العلامة ابن القيم:"وَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُفْتِي وَلَا الْحَاكِمُ مِنْ الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ بِالْحَقِّ إلَّا بِنَوْعَيْنِ مِنْ الْفَهْمِ:
أَحَدُهُمَا: فَهْمُ الْوَاقِعِ وَالْفِقْهِ فِيهِ وَاسْتِنْبَاطُ عِلْمِ حَقِيقَةِ مَا وَقَعَ بِالْقَرَائِنِ وَالْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ حَتَّى يُحِيطَ بِهِ عِلْمًا.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: فَهْمُ الْوَاجِبِ فِي الْوَاقِعِ، وَهُوَ فَهْمُ حُكْمِ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْوَاقِعِ، ثُمَّ يُطَبِّقُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ؛ فَمَنْ بَذَلَ جَهْدَهُ وَاسْتَفْرَغَ