إقامة حكم الله وعدله، ورد الغصب وإرجاع الحقوق والأموال المنهوبة من الأمة إلى أهلها هو من إقامة حكم الله وعدله، ورفض الاستبداد بالأمر ورد الأمر شورى بين الأمة هو من إقامة حكم الله وشرعه، ورفض الخضوع للنفوذ الأجنبي هو من إقامة حكم الله وشرعه .. الخ

فإذا كانت الشعوب تثور من أجل هذا كله فثورتها مشروعة وهي تمارس بالفعل ما أوجب الله عليها من إقامة دينه وشرعه وعدله والقسط الذي جاء به رسله!

فإن كانت الشعوب الثائرة تستصحب نية تحكيم الشريعة في واقع حياتها كله فهذا هو الغاية، وإلا فلا يشترط في فروض الكفاية أن لا تقام إلا بهذا الشرط، فالجهاد مثلا واجب على الأمة لدفع العدو الخارجي وهو فرض كفاية وقد يتعين، ولا يشترط له أن لا تجاهد الأمة ولا تدفع عدوها إلا بهذا الشرط، إذ الجهاد فرض في حد ذاته، كما إن تحكيم الشريعة فرض في حد ذاته، ويجب إقامة كلا الفرضين، وكذا كل الفروض والواجبات الشرعية، لا يسقط المقدور منها لعدم القدرة على غيره للحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -،قَالَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (?)

ولا يشترط على المظلوم ألا يدفع الظلم عن نفسه حتى يطالب بإقامة الشريعة، ولا يشترط على الجائع ألا يثور من أجل لقمة عيشه حتى يطالب بالشريعة، ومن يشترطون مثل هذه الشروط، أو يبطلون جهاد الأمة اليوم بهذه الذرائع فهم إحدى طائفتين:

إما طائفة في قلوبهم مرض ممن داهنوا الطغاة وبرروا لهم طغيانهم واعتذروا لهم عن عدم تطبيقهم للشريعة بأن هذا لا يخرجهم عن دائرة الإسلام ولا يخرجهم عن دائرة الإمامة الشرعية الواجبة الطاعة، حتى إذا خرجت الأمة إليهم، وثارت عليهم لدفع طغيانهم وظلمهم، فإذا هذه الطائفة تجعل من قضية الشريعة وعدم ثورة الشعوب من أجلها الذريعة للحكم على الثورة بعدم الجواز وعدم المشروعية لا نصرة للشريعة التي استخفوا بها وهونوا أمرها للطغاة، بل نصرة للطغاة وحبا لهم، حتى امتلأت قلوبهم قيحا وضغينة على الأمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015