وعَلَى هَذا فالمُراد النَّهي عَن تَعيِينِ وصفٍ واحِدٍ بِعَينِهِ بِأَنَّهُ شَهِيد بَل يَجُوزُ أَن يُقالَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الإِجمالِ.

وإِن كانَ مَعَ ذَلِكَ يُعطَى حُكمَ الشُّهَداءِ فِي الأَحكامِ الظّاهِرَةِ ولِذَلِكَ أَطبَقَ السَّلَف عَلَى تَسمِيَةِ المَقتُولِينَ فِي بَدرٍ وأُحُد وغَيرِهِما شُهَداء.

والمُراد بِذَلِكَ الحُكمُ الظّاهِر المَبنِيّ عَلَى الظَّنِّ الغالِبِ واللَّهُ أَعلَمُ" (?) ..

وهكذا يقال في المقتول دون ماله وعرضه، والمقتول ظلما، لا فرق بين صالح وفاسق، بل كل من قتل مظلوما من المسلمين، فهو شهيد في أحكام الدنيا، وله أحكام الشهداء، وأما الآخرة فهو شهيد بحكم الظاهر، ولا يقطع له بالشهادة بالجنة، بل نرجو له ذلك!

فهذه أحكام شهداء الثورة العربية، على فرض أنهم لا يريدون إلا الدفاع عن حقوقهم، وعلى فرض أن السلطة شرعية، أما من قاتل منهم لتكون كلمة الله هي العليا فهذا أشرف أنواع الجهاد في سبيل الله، وهو أعلى درجة عند الله ممن قاتل فقط دفاعا عن نفسه وماله وأرضه، وإن كان كلاهما مجاهد وشهيد، وكما في الحديث الصحيح عن عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، قالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى المِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» (?)

وكما في الحديث الآخر عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أَكْثَرَ شُهَدَاءِ أُمَّتِي أَصْحَابُ الْفُرُشِ، وَرُبَّ قَتِيلٍ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ» (?).

وأحق هؤلاء بوصف الشهادة من قتل مظلوما بيد سلطان جائر، لقصده إقامة الحق والعدل، كما في الحديث عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَالَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ» (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015