الْأَنْصَارِ بِكُبَّةٍ مِنْ خُيُوطِ شَعْرٍ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخَذْتُ هَذِهِ الْكُبَّةَ أَعْمَلُ بِهَا بَرْذعَةَ بَعِيرٍ لِي قَدْ بَرَدَ. فَقَالَ: "أَمَّا نَصِيبِي مِنْهَا فَلَكَ"، فَقَالَ: "أَمَّا إذَا بَلَغْتَ هَذَا فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهَا" ثُمَّ طَرَحَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ 1.

فَصْلٌ:

وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ: مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الْإِمَارَةِ: مُصَابَرَةُ الْأَمِيرِ قِتَالَ الْعَدُوِّ مَا صَابَرَ وَإِنْ تَطَاوَلَتْ بِهِ الْمُدَّةُ، وَلَا يُوَلِّي عَنْهُ وَفِيهِ قُوَّةٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200] .

وَفِيهِ ثَلَاثَةُ تَأْوِيلَاتٍ:

أَحَدُهَا: اصْبِرُوا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَصَابِرُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ، وَرَابِطُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ2.

وَالثَّانِي: اصْبِرُوا عَلَى دِينِكُمْ، وَصَابِرُوا الْوَعْدَ الَّذِي وَعَدَكُمْ، وَرَابِطُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ3.

وَالثَّالِثُ: اصْبِرُوا عَلَى الْجِهَادِ، وَصَابِرُوا الْعَدُوَّ، وَرَابِطُوا بِمُلَازَمَةِ الثَّغْرِ، وَهَذَا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ4.

وَإِذَا كَانَتْ مُصَابَرَةُ الْقِتَالِ مِنْ حُقُوقِ الْجِهَادِ فَهِيَ لَازِمَةٌ حَتَّى يُظْفَرَ بِخَصْلَةٍ مِنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ:

إحْدَاهُنَّ: أَنْ يُسْلِمُوا فَيَصِيرَ لَهُمْ بِالْإِسْلَامِ مَا لَنَا وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا، وَيُقَرُّوا عَلَى مَا مَلَكُوا مِنْ بِلَادٍ وَأَمْوَالٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015