{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46] .
وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْمُرَادَ بِالرِّيحِ الدَّوْلَةُ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ.
وَالثَّانِي: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْقُوَّةُ، فَضَرَبَ الرِّيحَ بِهَا مَثَلًا لِقُوَّتِهَا1.
فَصْلٌ:
وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الْإِمَارَةِ فِي تَدْبِيرِ الْحَرْبِ، وَالْمُشْرِكُونَ فِي دَارِ الْحَرْبِ صِنْفَانِ:
صِنْفٌ مِنْهُمْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ فَامْتَنَعُوا مِنْهَا وَتَابُوا عَلَيْهَا، فَأَمِيرُ الْجَيْشِ مُخَيَّرٌ فِي قِتَالِهِمْ بَيْنَ أَمْرَيْنِ يَفْعَلُ مِنْهُمَا مَا عَلِمَ أَنَّهُ الْأَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَنْكَأُ لِلْمُشْرِكِينَ؛ مِنْ بَيَاتِهِمْ لَيْلًا وَنَهَارًا بِالْقِتَالِ وَالتَّحْرِيقِ، وَأَنْ يُنْذِرَهُمْ بِالْحَرْبِ وَيُصَافَّهُمْ بِالْقِتَالِ.
وَالصِّنْفُ الثَّانِي: لَمْ تَبْلُغْهُمْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ، وَقَلَّ أَنْ يَكُونُوا الْيَوْمَ؛ لِمَا قَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ مِنْ دَعْوَةِ رَسُولِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ مِنْ وَرَاءِ مَنْ يُقَابِلُنَا مِنَ التُّرْكِ وَالرُّومِ فِي مَبَادِئِ الْمَشْرِقِ وَأَقَاصِيّ الْمَغْرِبِ لَا نَعْرِفُهُمْ، فَيَحْرُمُ عَلَيْنَا الْإِقْدَامُ عَلَى قِتَالِهِمْ غِرَّةً وَبَيَاتًا بِالْقَتْلِ وَالتَّحْرِيقِ، وَأَنْ نَبْدَأَهُمْ بِالْقَتْلِ قَبْلَ إظْهَارِ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ لَهُمْ، وَإِعْلَامِهِمْ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ وَإِظْهَارِ الْحُجَّةِ بِمَا يَقُودُهُمْ إلَى الْإِجَابَةِ، فَإِنْ قَامُوا عَلَى الْكُفْرِ بَعْدَ ظُهُورِهَا لَهُمْ حَارَبَهُمْ، وَصَارُوا فِيهِ كَمَنْ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اُدْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] .
يَعْنِي: اُدْعُ إلَى دَيْنِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ، وَفِيهَا تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: بِالنُّبُوَّةِ.
وَالثَّانِي: بِالْقُرْآنِ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَفِي الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: الْقُرْآنُ فِي لِينٍ مِنَ الْقَوْلِ، قَالَهُ الْكَلْبِيُّ.