وإذا كان من أرباب المواشي من يستعملها فيما لا يطيق الدوام عليه أنكره المحتسب عليه ومنعه منه، وإن لم يكن فيه مستعد إليه، فإن ادَّعى المالك احتمال البهيمة لما يستعملها فيه جاز للمحتسب أن ينظر فيه؛ لأنه وإن افتقر إلى اجتهاد فهو عرفي يرجع فيه إلى عرف الناس وعاداتهم، وليس باجتهاد شرعي، والمحتسب لا يمنع من اجتهاد العرف.

وإن امتنع من اجتهاد الشرع. وإذا استعداه العبد في امتناع سيده من كسوته ونفقته جاز أن يأمره بهما ويأخذه بالتزامهما، ولو استعداه من تقصير سيده فيهما لم يكن له في ذلك نظر، ولا إلزام؛ لأنه في التقدير يحتاج إلى اجتهاد شرعي، ولا يحتاج في التزام الأصل إلى اجتهاد شرعي؛ لأن التقدير منصوص عليه ولزومه غير منصوص عليه.

وللمحتسب أن يمنع أرباب السفن من حمل ما لا تسعه ويخاف منه غرقها، وكذلك يمنعهم من المسير عند اشتداد الريح، وإذا حمل فيها الرجال والنساء حجز بينهم بحائل.

وإذا اتسعت السفن نصب للنساء مخارج للبراز؛ لئلَّا يتبرجن عند الحاجة.

وإذا كان في أسهل الأسواق من يختص بمعاملة النساء راعى المحتسب سيرته وأمانته، فإذا تحققها منه أقره على معاملتهن، وإن ظهرت منه الريبة وبان عليه الفجور منعه من معاملتهن، وأدبه على التعرض لهن؛ وقد قيل: إن الحماة وولاة المعاون أخص بإنكار هذا والمنع منه من ولاة الحسبة؛ لأنه من توابع الزنا.

وينظرون إلى الحسبة في مقاعد الأسواق، فيقر منها ما لا ضرر فيه على المارة، ويمنع ما استضر به المارة؛ ولا يقف منعه على الاستعداء إليه، وجعله أبو حنيفة موقوفًا على الاستعداء إليه.

وإذا بني قوم في طريق سابل منع منه، وإن اتسع الطريق يأخذهم بهدم ما بنوه ولو كان المبني مسجدًا؛ لأن مرافق للسلوك للأبنية.

وإذا وضع الناس الأمتعة وآلات الأبنية في مسالك الشوارع والأسواق ارتفاقًا؛ لينقلوه حالًا بعد حال مكنوا منه، وان لم يستضر به المارة؛ ومنعوا منه إن استضروا به، وهذا القول في إخراج الأجنحة والأسبطة، ومجاري المياه، وآبار الحشوش يقر ما لا يضر ويمنع ما ضر، ويجتهد المحتسب رأيه فيما ضر، وما لم يضر؛ لأنه من الاجتهاد العرفي دون الشرعي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015